عندما سقطت الدولة الأموية على يد أبي عبدالله السفاح، وقعت تلك المصيبة العظمى على بني أمية، وأخذ السفاح يطاردهم واحدا تلو الآخر، فقتل من قتل، وفر من فر، فقصدوا عبدالرحمن بن معاوية الأموي، وبحثوا عنه وكان مختفيا، ففر إلى بلاد المغرب حيث أخواله ثم عبر إلى بلاد الأندلس التي كانت ترزح بالمشاكل والحروب والأحزاب المتصارعة وهجمات الفرنج والإسبان، تنتظر من يوحدها تحت راية واحدة.
فإذا بعبدالرحمن بن معاوية في قرطبة قد توافدت إليه الجموع مرحبة به أميرا، فبايعته، فبدأ تاريخ حافل للأندلس تحت راية واحدة بعدما كانت فرقا وأحزابا، لذا أثنى عليه خصمه أبو جعفر المنصور الذي قال لأصحابه: «أتدرون من صقر قريش من الملوك؟ صقر قريش هو عبدالرحمن بن معاوية الذي دخل بلدا أعجميا، منفردا بنفسه، فأذل الجبابرة الثائرين، وجمع كلمة العرب وكون دولة عظيمة».
فالمصيبة العظمى التي وقعت عليه كانت سببا لحل مشكلة كبرى ظلت عقودا من الزمن بلا حل، وحلها كان على يد صاحب المصيبة بسبب مصيبته، فدونت له بها سجلا حافلا من الخيرية للأمة الإسلامية في الأندلس على مدى قرون.
ألم تكن مصيبة نبي الله يوسف عليه السلام لما حكم عليه بالسجن مع ظهور براءته سببا لشيوع الخبر بمعرفته لتأويل الرؤى، فلجأ إليه الملك لتأويل رؤياه التي كانت سببا لحل مشكلة عظمى كادت تعصف بمصر وما حولها من البلاد؟
فتأمل المصيبة، وابحث في طياتها عن الحلول لمشاكل كثيرة قد استعصى عليك حلها، لتجد حلها في تلك المصيبة بإذن الله تعالى. وكن مع الله تعالى في المصيبة بصبرك عليها (إن الله مع الصابرين)، وبظنك الحسن بالله تعالى أنه لا يقدر لك إلا الخير «أنا عند ظن عبدي بي»، فأبشر بعدها بالخيرات التي تنهال عليك من أكرم الأكرمين الذي يراك بعين الرحمة والحنان والكرم (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).