بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتد بعض العرب عن الإسلام في أنحاء الجزيرة، وآخرون منعوا إخراج الزكاة وبعضهم ادعى النبوة فقاتلهم أبو بكررضي الله عنه، ومن هؤلاء مسيلمة الكذاب. فدارت رحى الحرب بين المسلمين وأهل الردة من أتباع مسيلمة، وكانت معركة حامية الوطيس، استشهد فيها كثير من قراء الصحابة وحفظة القرآن، وزاد عددهم عن السبعين، فهال ذلك المسلمين. إنها مصيبة عظيمة لأن هؤلاء هم الذين ينشرون القرآن ويقرئونه الناس. فعز ذلك على عمر بن الخطابرضي الله عنه، فدخل على أبي بكر وأخبره الخبر، واقترح عليه أن يجمع القرآن خشية الضياع بموت الحفاظ وقتل القراء. فتردد أبو بكر أول الأمر، ولكنه بعدما تجلى له وجه المصلحة، ورأى صواب الفكرة شرح الله صدره لها، فرأى في جمعه أعظم وسيلة نافعة إلى حفظ القرآن الكريم، وحلا لمشكلة عظمى تلوح في المستقبل القريب، وهو المحافظة على القرآن من الضياع والتحريف. فكون لجنة لجمعه برئاسة زيد بن ثابت رضي الله عنه.
فالمصائب قد تقود لحلول لا تقتصر فقط على الفرد المصاب بها، بل قد تتعداه إلى من حوله بل إلى الأمة بأجمعها.
ولما جمع أبو بكر رضي الله عنه القرآن من الرقاع وغيرها من المواد التي كتب فيها فجمعه في مجموع واحد حدثت مصيبة أخرى في عهد عثمان رضي الله عنه. إذ بعدما انتشر الإسلام في الأمصار وانتشر فيها القرآن، دار خلاف بين القراء في الأمصار، كل يدعي أن قراءته هي الأصح وقراءة غيره ليست صحيحة، فجاء الصريخ إلى عثمان» رضي الله عنه أدرك أمة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقتل بعضهم بعضا بسبب اختلافهم في القرآن»، فسارع عثمان رضي الله عنه إلى تكوين لجنة لكتابة القرآن على الأحرف السبعة برئاسة زيد بن ثابت ذاك الذي كان رئيسا للجنة جمعه.
فكتب القرآن على ما يوافق العرضة الأخيرة التي عارضها جبريل u رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، وكتب في خمسة مصاحف توزعت على سائر الأمصار، فكانت هذه النسخ هي المعتمدة عند الاختلاف، فجمعت الأمة عليها، واجتمعت قلوبها، وحفظ القرآن من التحريف والضياع والنقص والزيادة بسبب مصيبة حدثت بين القراء. فالمصائب تفيض بالحلول للمشاكل المستعصية. أعطى الملك هيرو الإغريقي صائغه كمية من الذهب الخالص ليعمل منها تاجا، وبعد صنع التاج شك الملك في أن التاج لم يكن من الذهب الخالص وأن جزءا منه سرق، وأنه مغشوش. فكلف العالم أرشميدس لكشف الستار عن ذلك. أحرج العالم في كيفية كشف هذه المسألة العويصة، إلى أن نزل في يوم من الأيام كعادته إلى حوض السباحة، فرأى بأن الماء يرتفع في الحوض ويفيض، فدار في ذهنه وزن السائل المزاح هو حل لهذه المعضلة، فخرج عاريا في الشوارع متجها إلى بيته صارخا «يوريكا يوريكا» أي «وجدتها وجدتها»، ومنها قعد قاعدته المشهورة بقاعدة أرشميدس والتي منها انطلقت الغواصات وغيرها من المخترعات الجديدة بناء على هذا القانون. فكانت تلك المشكلة طريقا لحل المعضلات المستقبلة واختراعات جديدة نافعة للعالم.
فاعلم بأن المصيبة التي أصبت بها تحمل في طياتها حلا لمشكلة كبيرة تنتظرك في المستقبل (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).