- المظاهرات تتضمن غوغائية ولا تحترم مالاً ولا نفساً ولا عرضاً وتؤدي إلى الفتنة والكراهية بين الحاكم والمحكومين
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ولم يستثن سبحانه في هذه الآية برا من فاجر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إنكار المنكر إذا أفضى إلى الخروج عن طاعة ولي الأمر، ونهى عن قتالهم والتطاول عليهم لما فيه من الفساد وإراقة الدماء، وفي الحديث النبوي «من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية»، فما خرجت طائفة على ذي سلطان على مر العصور إلا حصدت مفاسد عظيمة أضعاف المنكر الذي غيرته، هذا هو ما أكده الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الداعية فيحان سرور الجرمان في لقائه مع «الأنباء». وأوضح الجرمان صورا من صور الخروج على ولاة الأمر التي يجب الانتباه إليها وهي المظاهرات، مشيرا إلى أنها تتضمن غوغائية لا تحترم مالا ولا نفسا ولا عرضا، كما أنها تؤدي إلى الفتنة والكراهية بين الحاكم والمحكومين، وتسبب التناحر والفرقة بين المسلمين وقد تؤدي إلى الاختلاط بين الرجال والنساء. وحول حكم العمليات الانتحارية، أشار الجرمان إلى تحريم أكابر العلماء المعاصرين لها، أمثال العلامة ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله، لافتا إلى أن البعض يظن أنها من أنواع الجهاد ومن الأعمال التي تقرب إلى الله، بينما الناظر إلى واقع العمليات الانتحارية لا يرى فيها مقاصد الجهاد البتة بل يرى المنتحر يفجر نفسه فقط ولم يمس العدو بسوء، أو ربما قتل واحدا وفي المقابل سبب ضررا كبيرا على المسلمين حيث ان العدو سيقوم بالرد ويقتل العشرات بل المئات كما هو مشاهد وملموس في الأراضي المحتلة وغيرها. تساؤلات عديدة وردود حول قضايا معاصرة كثر اللغط حولها، طرحناها على فضيلته فأجاب عنها إجابة شافية كافية، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
نود ذكر أهمية طاعة ولاة الأمر ونصحهم بالسر والحرص في ذلك على أمن البلد وحقن دماء المسلمين.
الطاعة لولي الأمر أصل من أصول الدعوة السلفية، قال الطحاوي «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والاستقامة»، وقد تواترت النصوص القطعية من الكتاب والسنة على تأكيد وضرورة طاعة ولاة الأمر في المعروف ولزومها لما يترتب على ذلك من اجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقهم لأن الخلاف شر.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، ولم يستثن سبحانه في هذه الآية برا من فاجر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إنكار المنكر إذا أفضى إلى الخروج عن طاعة ولي مر، ونهى عن قتالهم والخروج عليهم لما فيه من الفساد وإراقة الدماء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية» أخرجه البخاري ومسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا «إذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة» رواه مسلم، وقال ابن بطال «في هذا الحديث بيان على ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء».
وطاعة ولاة الأمر ونصحهم بالسر يؤديان إلى أمن البلد واستقراره وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم وأخراهم الافتئات عليهم من أخطر الأمور، وما خرجت طائفة على ذي سلطان على مر العصور والأزمنة إلا كان في خروجها من المفاسد العظيمة أضعاف المنكر الذي قامت بتغييره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية «وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير».
مساوئ المظاهرات
ما حكم المظاهرات خاصة أن البعض يرى فيها وسيلة لإنكار المنكر؟
أما حكم المظاهرات فقد ذهب كبار أهل العلم وهيئة كبار العلماء والعلامة ابن باز وابن عثيمين والألباني وعبدالعزيز آل الشيخ وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وبكر أبو زيد وغيرهم إلى تحريمها، لما يترتب على فعلها من شر وإثارة القلاقل وتجرؤ الناس على ولاة الأمور وعلى إفساد الممتلكات، فالحكمة والأسلوب الحسن والرفق من أعظم الوسائل إلى وصول الأمل المنشود وقبول الحق والرضا به، والسلوك السيئ والأسلوب العنيف من أخطر الوسائل، لأنه يقود إلى السلوك السيئ ورد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والعدوان، وقد أمر الله موسى وهارون عليهما السلام، حين بعثهما إلى فرعون فقال «فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى».
ولا شك أن المظاهرات تتضمن غوغائية لا تحترم مالا ولا نفسا ولا عرضا كما حدث في مصر وغيرها من الدول الإسلامية، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، ثم إن المظاهرات فيها مفاسد ومساوئ عدة منها:
1- أنها تضر الدعوة ولا تنفعها، وتنقصها ولا تزيدها.
2 - وتسبب التناحر والفرقة بين المسلمين.
3 - وتؤدي إلى الاختلاط بين الرجال والنساء.
4- وتؤدي إلى إفساد الممتلكات العامة والخاصة، وهذا كثيرا ما يحصل عند خروج الناس للمظاهرات من حرق السيارات والمحلات التجارية والاشتباك بينهم وبين رجال الأمن لأنها تجمع الغوغاء والسفهاء من الناس.
5 - وكذلك هي تؤدي إلى الفتنة والكراهية بين الحاكم والمحكومين والتجرؤ عليه.
كلام أهل العلم
هل تذكر لنا شيئا من فتاوى العلماء التي تستند إليها في حديثك؟
قال العلامة ابن باز رحمه الله وهو يتحدث عن المظاهرات «فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة، والمكاتبات بالتي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها أو يقضي عليها».
وهنا أستذكر كلاما لأحد الدعاة حيث قال «ولا أرى للمظاهرات كثير نفع، فهي كقولهم (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا)، فكل من تظاهر يظن نفسه قد قدم شيئا وهو في الحقيقة لم يفعل سوى الصراخ وحرق الأعلام ونفّس عن نفسه فقط، وفي الدول المتحضرة كما يقال تقوم الدولة بتحريك المظاهرات لامتصاص غضب الشعب والتنفيس عنهم، وفي العالم الثالث المتخلف كما يقال أيضا تضرب المظاهرات بكل طريقة، وقد تختلف النظرة في المظاهرات حسب الدولة التي تقام فيها وملابسات الأحداث، وقد يراها البعض وسيلة لإنكار منكر أو أمر بمعروف، وقد يرى البعض الآخر مصلحة بالإضرابات الشاملة وعلى جميع الأصعدة سواء في الأعمال أو المدارس وغيرها ولكن لابد أن يتنبه أننا لا نسعى لتحقيق مكسب مضنون ونضيع مكسبا دينيا متحققا ظاهرا، وقد يكون بعض أهل الخير جسرا للعلمانيين من حيث لا يشعرون».
المظاهرات في بلاد غير المسلمين
لكن ما حكم المظاهرات في بلاد الغرب والبلاد غير الإسلامية؟
قد سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك حيث قيل له ابتلينا في بلادنا بمن يرى بجواز المظاهرات في إنكار المنكر، فإذا رأوا منكرا معينا تجمعوا وعملوا مظاهرة ويحتجون أن ولي الأمر يسمح لهم بمثل هذه الأمور؟ فأجاب الشيخ قائلا: «أولا إن المظاهرات لا تفيد بلا شك، بل هي فتح باب للشر والفوضى، فهذه الأفواج ربما تمر على الدكاكين وعلى الأشياء التي تسرق وتسرق، وربما يكون فيها اختلاط بين الشباب المردان والكهل، وربما يكون فيها نساء أحيانا فهي منكر ولا خير فيها، ولكن ذكروا لي أن بعض البلاد النصرانية الغربية لا يمكن الحصول على الحق إلا بالمظاهرات، والنصارى والغربيون إذا أرادوا أن يفحموا الخصومة تظاهروا، فإذا كان مستعملا وهذه بلاد كفار ولا يرون بها بأسا ولا يصل المسلم إلى حقه أو المسلمون إلى حقهم إلا بهذا فأرجو ألا يكون به بأس، أما في البلاد الإسلامية فأرى أنها حرام ولا تجوز، وأتعجب من بعض الحكام إن كان كما قلت حقا أنه يؤذن فيها مع ما فيها من الفوضى، ما الفائدة منها نعم ربما يكون بعض الحكام يريد أمرا إذا فعله انتقده الغرب مثلا وهو يداهن الغرب ويحابي الغرب، فيأذن للشعب أن يتظاهر حتى يقول للغربيين: انظروا إلى الشعب تظاهروا يريدون كذا، أو تظاهروا لا يريدون كذا، فهذه ربما تكون وسيلة لغيرها ينظر فيها، هل مصالحها أكثر أم مفاسدها؟»، وتابع السائل قوله «كذا منكر حصل، فعملت المظاهرة فنفع؟»، فأجاب ابن عثيمين قائلا «لكنها تضر أكثر، وإن نفعت هذه المرة ضرت المرة الثانية».
الإضرابات نوعان
إذن ما حكم الإضرابات خاصة أنها لا تتضمن إتلافا للممتلكات؟
الإضرابات لا تخلو من أمرين، الأول أن يطالب أصحابها بزيادة الرواتب، والحالة الثانية أن يطالب أصحابها بإرجاع حقوقهم المسلوبة والمنصوص عليها في تعاقدهما وما اتفقا عليه، ولاشك أن العامل قد ابرم مسبقا عقدا بينه وبين رب العمل على راتب محدد، وحينئذ لا يجوز لهما الإخلال بالعقد سواء العامل او رب العمل، فإذا أخل العامل ولم يعمل جاز لرب العمل «تفنيشه»، أو أن يطلب العامل زيادة الراتب فإن استجيب له فهو خير، وإن لم يستجب له يمكنه الاستقالة وترك العمل والبحث عن غيره، ولا يجوز له التحايل والتآمر واجتماع الموظفين فيما بينهم للإضراب عن العمل لأجل المطالبة بزيادة الراتب، واستغلال تجمعهم للضغط على رب العمل واعتقادهم أن هذا الفعل سيؤثر على العمل، وبهذه الحالة والصورة يحرم الإضراب لأنه خيانة ويفتح بابا للتحايل على رب العمل والضغط عليه بغير وجه حق، ويترتب على هذا العمل وهو الإضراب مفسدة عظيمة منها، أن كل من أراد زيادة مال يتفق مع الموظفين أو العمال بالإضراب عن العمل للضغط على رب العمل ليتحقق مآربهم فيفتح باب شر على رب العمل، وأيضا ما حصل لبعض البلدان، وأسوق على ذلك مثال حيا وهو ما حصل من إضرابات في فنزويلا والتي أدت إلى انخفاض إنتاجها من 3 ملايين برميل يوميا إلى مليون و300 ألف برميل يوميا، وكذلك الإضرابات التي حدثت في نيجيريا والتي أدت إلى انخفاض إنتاجها بنحو 30%.
العمليات الانتحارية
خاض الكثيرون في شأن العمليات الانتحارية، بين محرم ومجيز، فما حكمها في ضوء الشريعة وكلام أكابر العلماء؟
# العمليات الانتحارية حرمها العلماء، كالشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم، بينما يظن البعض أنها أنواع من الجهاد ومن الأعمال التي تقرب إلى الله، والعمليات الانتحارية إما نقول أنها جهاد ومن الجهاد وإما إفساد وجهل وتسرع، فالجهاد إنما شرع من أجل حماية الإسلام والمسلمين والناظر إلى العمليات الانتحارية لا يرى منها مقاصد الجهاد البتة بل يرى المنتحر يفجر نفسه فربما قتل نفسه فقط ولم يمس العدو بسوء أو ربما قتل واحدا أو أكثر من ذلك ولكن بالمقابل أنه يسبب ضررا على المسلمين بسبب هذا الانتحار الجزئي حيث أن العدو سيقوم بالرد ويقتل العشرات بل المئات كما هو مشاهد وملموس في الأراضي المحتلة وفي غيرها والبعض من المنتحرين لا يعلم أنه سيموت منتحرا أو مقتولا، لأن بعض القادة يرسل شخصا بسيارة مفخخة وهو لا يعلم أنها مفخخة أو ربما أرسله لكي يوقفها في مكان معين لكي تنفجر بعد مغادرته ولكنهم يفجرونه بالرموت خيانة فمفسدتها أعظم من مصلحتها.
شبهة ورد
لكن هناك من يستدل ببعض قصص التاريخ الإسلامي على الجواز، فما تعليقك؟
نعم قد يستدل من يجيز العمليات الانتحارية بقصة البراء بن مالك، وقد رد على هذه الشبهة العلامة ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: «وقول من يقول (إن هذا جائز) ليس مبنيا على أصل، إنما هو مبني على رأي فاسد في الواقع، لأن النتيجة السيئة أضعاف أضعاف ما يحصل بهذا، ولا حجة لهم في قصة البراء بن مالك رضي الله عنه في غزوة اليمامة حيث أمر أصحابه أن يلقوه من وراء الجدار ليفتح لهم الباب، فإن قصة البراء ليس فيها هلاك 100% ولهذا نجا وفتح الباب ودخل الناس، فليس فيها حجة».
إثمه على من أفتاه
إذن ما حكم من يقوم بالعملية الانتحارية أمام الله يوم القيامة، وهل يكفر بفعله ذلك؟
من يقوم بالعمل فأمره إلى الله لأنه قد يكون متأولا أو عمل بناء على فتوى، وإثمه على من أفتاه، والله أعلم.
فيحان الجرمان في سطور
امام وخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تتلمذ على العلامة محمد بن صالح بن عثيمين في المملكة العربية السعودية، وفي الكويت كان من أبرز مشايخه الشيخ عبدالرحمن عبدالصمد، كما حضر عدة مجالس ودروس للعلماء الكبار أمثال ابن باز والألباني وصالح الفوزان، وحضر سماع مسند الإمام أحمد وغيره من كتب الحديث ضمن مجالس السماع التي تنظمها وزارة الأوقاف في الكويت، وله عدة مقالات وردود علمية وشرعية في الصحافة الكويتية، بالإضافة إلى أنه معلم في وزارة التربية ويشغل حاليا مديرا مساعدا في إحدى مدارس الثانوية.