حمله الراية في خيبر (1 - 2)
كانت غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر في جمادى الأولى سنة سبع من مهاجره، وهي على ثمانية برد من المدينة، قالوا: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ لغزوة خيبر، ويجلب من حوله يغزون معه فقال: «لا إلا راغب في الجهاد» وشق ذلك على من بقي بالمدينة من اليهود فخرج واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، واخرج معه ام سلمة زوجته، فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس واصبحوا وافئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا الى اعمالهم معهم المساحي والكرازين والمكاتل، فلما نظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والخميس يعنون بالخميس الجيش فولوا هاربين الى حصونهم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الله أكبر، خربت خبير، إنا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».
ووعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وفرق بينهم الرايات، ولم يكن الرايات إلا يوم خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي صلى الله عليه وسلم السوداء من برد عائشة، تدعى العقاب، ولواؤه أبيض ودفعه الى علي بن ابي طالب.
قال سلمة: ثم ان نبي الله صلى الله عليه وسلم ارسلني الى علي فقال: «لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» قال: فجئت به أقوده ارمد، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ثم أعطاه الراية، فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال:
قد علمت خيبر اني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
اذا الحروب اقبلت تلهب
فقال علي رضي الله عنه:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات كريه المنظرة
أكيلهم بالصاع كيل السندرة
ففلق رأس مرحب بالسيف، وكان الفتح على يديه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: رسول الله خير الناس، ثم ابوبكر، ثم عمر، ولقد أوتي ابن ابي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، واعطاه الراية يوم خيبر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأدفعن الراية الى رجل يحب الله ورسوله يفتح الله عليه» قال: فقال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي، فلما كان الغد دعا عليا عليه السلام فدفعها اليه فقال: «قاتل ولا تلتفت حتى يفتح عليك» فسار قريبا ثم نادى: يا رسول الله، علام اقاتل؟ قال: «حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل».
عن أبي سعيد الخدري يقول: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال: من يأخذها بحقها، فجاء فلان فقال: انا، قال: «أمط» ثم جاء رجل فقال: «أمط» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلمك «والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يفر، هاك يا علي» فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقديدهما.
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم ايهم يعطاها؟ قال: فلما اصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو ان يعطاها، قال: فقال: «أين علي بن ابي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النعم».
عن أبي بريدة قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبوبكر، فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني دافع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له» فبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا.
فلما ان أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة، ثم قام قائما فدعا باللواء والناس على مصافهم فدعا عليا وهو ارمد، فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء، وفتح له.
قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.