أخي القارئ اليوم نتابع الرد، ونجيب على من يستدل بجواز حل السحر بسحر مثله بمن أفتى بجوازه من باب الضرورة فأقول: بأنه ليس هناك ضرورة للعلاج لأن هناك مما يباح من العلاجات ما يغني عنه والحمد لله، وهو العلاج بالرقية الشرعية والأدوية المباحة المجربة مع التوكل على الله ودعائه والتضرع إليه فهو سبحانه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء كما قال جل وعلا (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون)، ثم إن السحر كفر ولا يباح الكفر للضرورة، ولا يجوز للاستدلال بأن بعض العلماء أجاز حل السحر بسحر مثله، فأقوال العلماء إذا خالفت الدليل فإنه لا يجوز العمل بها، وهذا القول مخالف للكتاب والسنة كما وضحنا فلا يجوز الأخذ به، قال الله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا). والحق أنه إذا أفتى بالعلاج عند السحرة ليحلوا السحر كما يقول الشيخ عبدالمحسن العبيكان فإن في هذا إتاحة للسحرة أن ينتشروا في بلاد التوحيد، بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومهد الرسالة بعد أن طهر الله تلك البلاد منهم بدعوة التوحيد، وفي هذه الفتوى أيضا فرصة للسحرة أن يسحروا الناس ثم يقولوا تعالوا نعالجكم من السحر. فعلاج السحر الحقيقي إنما هو بتطهير البلاد من السحرة بمنعهم من دخول البلاد وتنفيذ الحكم الشرعي فيمن وجد منهم بين المسلمين، وبهذا يعالج السحر حقيقة، ولا يتم هذا إلا بالتعاون مع أهل العلم ورجال الأمن على مطاردتهم وهدم أوكارهم.
قال ابن القيم «النشرة حل السحر عن المسحور، وهو نوعان، الأول حل السحر بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور، والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز بل مستحب، وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن «لا يحل السحر إلا ساحر». ولا شك في أن هذه الفتوى خطيرة فإن من أعظم التذلل والخضوع للشيطان أن ينصرف قلب العبد عن خالقه بتوجه إرادته إلى ساحر نجس موال للشيطان ليحل عنه السحر ونحوه، وليعلم من فعل ذلك أن الثمن دينه، وأنه لم تتحرك نيته وإرادته بالتوجه إلى الساحر إلا لفساد اعتقاده وظنه بالله ظن سوء، وإلا فلو صدق الله وعلم أن الأمر كله له سبحانه، وأن السحرة وشياطينهم تضر ولا تنفع لما استقرت في قلبه إرادة ذلك، فضلا أن يفعله لورود النهي الأكيد عن ذلك، وأنه من عمل الشيطان، وحرام فعله حيث إنه لا يحصل إلا بالتقرب إلى الشيطان وعمل أو قول ما يرضيه من الساحر، وممن يأتي إليه.
أما الساحر فلم يحصل له السحر إلا بالكفر، وأما من يأتيه لحل السحر فإنما أتاه لإدباره وإعراضه عن ربه وما شرع له من الرقية بالقرآن والأذكار والدعاء، ومن الأدوية المباحة إلى عدو الله الساحر الخبيث الكافر، مع علمه أنه شيطان إنس يتقرب إلى شيطان جن، فأي خير يرجى بهذا المسلك؟ فلينظر من أتى الساحر بمن تعلق قلبه في الشفاء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ومن تعلق شيئا وكل إليه» أخرجه النسائي والترمذي وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية وشيخنا حافظ الوقت حسنة الأمام الألباني في غاية المرام.
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله «أي: من تعلق قلبه شيئا بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشيء» انظر فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد. قلت: والذي يجب على المسلم إذا سمع بساحر أو كاهن أو عراف ألا يأتيه بل ينأى عنه لأن عنده شعوذة ودجلا وحتما سيتأثر قلبه بإتيانه هذا الساحر وشبهاته التي يبعثها وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمران بن حصين مرفوعا «من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به الشبهات» حديث صحيح، أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم، وإن الذين يذهبون إلى السحرة يرجون نفعهم إنما يزدادون سوءا، ولو ندر وحصل بعض النفع فهو كنفع الخمر بل أشد، وحسبك أنه نفع للبدن بفساد الدين، وذلك خسران مبين، وأنى لهم النفع والله عز وجل يقول (ولا يفلح الساحر حيث أتى)، فهذا خبر يشمل الضرر، والتحذير هنا لمن قد يغتر بفتاوى قوم لم يتقوا الله في المسلمين فيفتحون لهم أبواب الضلالة بفتاويهم الضالة حيث يهونون عليهم حل السحر بإتيان الساحر وهو «النشرة» التي هي حل السحر بسحر مثله. والساحر مادته شيطانية، ويكفي من أتاه من الخسران (ولا يفلح الساحر حيث أتى) فأي خير يرجى وأي شر يتقى بعد هذا؟