هي أم المؤمنين، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، صحابية جليلة، ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم.
زهدها
أبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو اللدود للرسول صلى الله عليه وسلم وأخوها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، أحد الخلفاء الأمويين. ولمكانة وجلالة منزلة أم حبيبة في دولة أخيها (في الشام)، قيل لمعاوية: «خال المؤمنين»، وأخيرا، هي من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس هناك من هي أكثر كرما وصداقا منها، ولا في نسائه من هي نائية الدار أبعد منها، وهذا دليل على زهدها وتفضيلها لنعم الآخرة على نعيم الدنيا الزائلة. كانت أم حبيبة من ذوات الرأي والفصاحة، تزوجها أولا عبيد الله بن جحش، وعندما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في مكة إلى الاسلام، اسلمت رملة مع زوجها في دار الارقم بن ابي الأرقم، وحينما اشتد الأذى بالمسلمين في مكة، هاجرت رملة بصحبة زوجها فارة بدينها متمسكة بعقيدتها، متحملة الغربة والوحشة، تاركة الترف والنعيم التي كانت فيها بعيدة عن مركز الدعوة والنبوة، متحملة مشاق السفر والهجرة، فأرض الحبشة بعيدة عن مكة، والطريق تتخلله العديد من الطرق الوعرة، والحرارة المرتفعة وقلة المؤنة، كما أن السيدة رملة في ذلك الوقت كانت في شهور حملها الأولى، وبعد أشهر من بقائها في الحبشة، انجبت مولودتها «حبيبة» فكنيت «بأم حبيبة».
صبرها
وفي إحدى الليالي، رأت أم حبيبة في النوم أن زوجها عبيد الله في صورة سيئة، ففزعت من ذلك، وحينما أصبحت أخبرها زوجها بأنه وجد في دين النصرانية ما هو أفضل من الاسلام، فحاولت رملة ان ترده إلى الاسلام ولكنها وجدته قد رجع الى شرب الخمر من جديد. ومع مرور الايام، توفي زوجها على دين النصرانية، فوجدت أم حبيبة نفسها غريبة في غير بلدها، وحيدة بلا زوج يحميها، أما لطفلة يتيمة في سن الرضاع، وابنة لأب مشرك تخاف من بطشه ولا تستطيع الالتحاق به في مكة، فلم تجد هذه المرأة المؤمنة غير الصبر والاحتساب، فواجهت المحنة بإيمان وتوكلت على الله سبحانه وتعالى.
زواجها
علم الرسول صلى الله عليه وسلم بما جرى لأم حبيبة، فأرسل الى النجاشي طالبا الزواج منها، ففرحت أم حبيبة، وصدقت رؤياها، فعهدها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، ووكلت هي ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص، وفي هذا دلالة على أنه يجوز عقد الزواج بالوكالة في الإسلام، وبهذا الزواج خفف الرسول صلى الله عليه وسلم من عدواته لبني أمية، وعندما علم ابو سفيان بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنته رملة، قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه ويقصد ان الرسول رجل كريم، وبهذه الطريقة خفت البغضاء التي كانت في نفس أبي سفيان على الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ان في هذا الموقف دعوة الى مقابلة السيئة بالحسنة، لانها تؤدي إلى دفع وزوال الحقد والضغينة وصفاء النفوس بين المتخاصمين. روت أم حبيبة رضي الله عنها عدة احاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ مجموعها خمسة وستين حديثا، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين، فلأم حبيبة رضي الله عنها حديث مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة. وتوفيت رضي الله عنها سنة 44 بعد الهجرة ودفنت في البقيع، وكانت قد دعت السيدة عائشة ام المؤمنين قبل وفاتها، فقالت: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر فاغفر لي ما كان من ذلك، فقالت أم المؤمنين عائشة: غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحلك من ذلك، فقالت أم حبيبة: سررتني سرك الله، وأرسلت الى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك وفي هذا اشارة الى ما يجب على المسلمين ان يفعلوه قبل ساعة الموت، ألا وهو التسامح والمغفرة، كما فعلت أم حبيبة مع أمهات المؤمنين ـ رضوان الله عليهن أجمعين.