حبيب بن زيد
كذبتَ يا «مسيلمة»
أسلم حبيب وهو لايزال فتى صغيرا يوم أن أسلم أبوه زيد، وأمه نسيبة بنت كعب «أم عمارة» وأخوه عبدالله بن زيد، وحضر حبيب، وهو فتى، مع أبيه وأمه وأخيه، بيعة العقبة الثانية فيمن حضرها من قومه «بني النجار». وحين اكتمل «حبيب» قوة وشبابا، سارع ينتضي سيفه تحت لواء الرسول القائد صلوات الله وسلامه عليه، حتى قضى الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم الى رحاب الله ورضوانه.
وحين اشرأبت فتنة «مسيلمة الكذاب» الحنفي في اليمامة، انتدب المسلمون «حبيبا» يبلغه رسالة الهدى، ويستتيبه، وينذره. وينطلق «حبيب» إلى اليمامة، وتتعلق القلوب المؤمنة بهذا الشاب الجميل، ويتملكها الوجل ان يفتك به مسيلمة الكذاب، وهو الذي لم يرع لله جل شأنه حرمة، فكيف ينتظر منه أن يرعى «للرسل» حرمة؟ ويدخل حبيب «اليمامة»، فيثب عليه رجال «مسيلمة» ويقيدونه بالسلاسل، ويحضرونه بين يدي نبيهم الكذاب.
يقول مسيلمة: يا حبيب، أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فيجيب حبيب: بلى، أشهد أن محمدا رسول الله، فيقول الكذاب: أفلا تشهد أني رسول الله؟ فيصمت حبيب ولا يجيب. فيلكزه الكذاب بسيفه وهو يتفطر غضبا: أفلا تشهد أني رسول الله يا حبيب؟ فلا يزيد حبيب أن يقول: بل أشهد أن محمدا رسول الله. فيمسك الكذاب ذراع حبيب ويهوي عليها بسيفه فيقطعها، ثم يصرخ في حبيب: أفلا تشهد أني رسول الله يا حبيب؟ فلا يزيد حبيب وقد أجهده النزيف الغزير: بل أشهد أن محمدا رسول الله.
ويطير عقل «مسيلمة الكذاب» أمام ثبات «حبيب» وصبره، فيعمل سيفه في أعضائه عضوا بعد عضو فيقطع أذنه، ويجدع أنفه، ويستل لسانه، ويفقأ عينيه، وحبيب مع كل ذلك يأبى أن يشهد في الكذاب إلا الشهادة التي يستحق، شهادة تخزيه، وتؤلمه، وتزيد حنقه، فيوغل في أذيته، حتى لا يبقى فيه رمق فيخر شهيدا في سبيل الله، رضي الله عنه.