في مدرسة النبوة، ومصنع الرجال، شب أطفال المسلمين، ونهلوا من معين الرسالة الإسلامية، ليكونوا قادة الدنيا وعظماء التاريخ.
في هذه الحلقات، نستعرض عددا من أطفال المسلمين الذين شبوا في صدر المسلمين ثم أصبحوا أبطالا يحني التاريخ أمامهم هامته إجلالا وإكبارا، «الأنباء» في ملفها الرمضاني تلقي الضوء على 30 من هؤلاء العظماء.
الحسين بن علي، رضي الله عنهما، علم من أعلام تاريخنا الإسلامي، قلما خلا التاريخ من سيرته وأخباره، وقد تحدث عنه كثيرون، لما عرف عنه من بذل نفسه في سبيل الله والحق والمبادئ والقيم، ولما تركه من الأثر العظيم على مر العصور.
فهو الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته من الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة.
ولد رضي الله عنه لخمس خلون من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة، وذلك بالمدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، نالت سيرته العطرة منزلة عظيمة مما لم تنله سيرة عظيم من العظماء فهو الى اليوم يذكره المسلمون في يوم تضحيته بحياته، فيجعلون منه مثلا أعلى لما قام به من تقديم نفسه للاستشهاد في سبيل الدفاع عن عقيدته ودينه ومبادئه السامية، وهم بين حزين متألم لما ناله ومن معه من تعذيب وهوان، وبين من يحاول أن يتأسى به فيضحي بحياته في سبيل العزة والكرامة.
لقد كان أجداده الذين ينتسب اليهم، رضي الله عنهم عظماء، فمنهم نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، بتاريخهما المعروف بالرسالة والنبوة، والهمة والشجاعة، التي يرويها التاريخ والكتب المقدسة.
سمع جده صلى الله عليه وسلم بنبأ مولده، فأقبل مسرعا الى منزل ابنته الحبيبة، رضي الله عنها، وحمل الوليد المبارك بين يديه، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وأتى بتمرة فمضغها بريقه وحنكها بها، ثم التفت الى علي رضي الله عنه وقال له: ماذا سميته؟ أجاب علي رضي الله عنه، سميته حربا، فقال جد الحسين صلى الله عليه وسلم بل هو حسين، اختاره له صلى الله عليه وسلم ولم يكن للناس بهذا الاسم عهد من قبل.
حظي الحسين منذ ولادته بحب جده صلى الله عليه وسلم ورعاية أمه وحنان أبيه، ومودة أخيه، رضي الله عنهم أجمعين، وعندما بلغ الحسين رضي الله عنه يومه السابع من عمره المجيد «عق عنه جده صلى الله عليه وسلم» بكبشين، وأمر بأن يحلق شعر رأسه، ويتصدق بوزنه فضة توزع على فقراء المسلمين.
كان الحسين أصغر من أخيه بعام، فكان محل رعاية جده صلى الله عليه وسلم.
يقول أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، طرقت باب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه يا رسول الله؟ فكشف فإذا حسن وحسين، رضي الله عنهما، على وركيه.
فقال صلى الله عليه وسلم: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم اني احبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما».
مر صلى الله عليه وسلم على باب علي رضي الله عنه فسمع صوت الحسين رضي الله عنه وهو يبكي، فنادى للزهراء، رضي الله عنها، قائلا للزهراء، رضي الله عنها: يا زهراء أما علمت أن بكاءه يؤذيني؟
ومرة أخرى وجد حسينا يبكي فدخل عليه فوجد عليا والزهراء، رضي الله عنهما، في نوم عميق، وأحس أن الطفل جائع، فحلب له الشاة وسقاه.
وهكذا فقد كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يناديان جدهما بأبتاه في حياته صلى الله عليه وسلم.
فجيعة
حان وقت لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه، فانتقل الى الرفيق الأعلى.. فجع الحسين رضي الله عنه فجيعة مؤلمة بموت جده، وحزن عليه حزنا شديدا، وبكى عليه بكاء مريرا، فعرف الحزن وهو لايزال صغيرا، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له ولأخيه الوالد الرحيم، والمربي الكبير ولكنها مشيئة المولى سبحانه وتعالى.
وبعد ستة أشهر مني الحسين رضي الله عنه بفجيعة شديدة، فقد لحقت والدته، رضي الله عنها، بأبيها صلى الله عليه وسلم، فتجددت الأحزان في قلب الحسين وأخيه، رضي الله عنهما، مرة اخرى.
لقد تلقى الحسين رضي الله عنه علومه الأولى على يد جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم على يد والده عليّ رضي الله عنه، وعلى أيدي كرام الصحابة، حفظ القرآن وهو صغير، وروي عن جده الأحاديث، وأيضا روي عن أبيه وأخيه وطائفة من الصحابة، رضي الله عنهم.
تعلم الإمام الحسين رضي الله عنه منذ الصغر فنون العلم والأدب، وقد أتاه الله، عز وجل، ملكة الخطابة، وطلاقة اللسان، وحسن البيان، فيزين كلامه بنور اليقين.
كانت له مواقف وارتجالات في المواقف الصعبة التي مر بها رضي الله عنه، تعطي صورة لفصاحته، فالعادة ان مواقف الحزن والشدة تصعب على الخطيب ان يتابع فيها الكلام، ترى الحسين رضي الله عنه ينطلق فيها وكأنه يقرأ من كتاب.
جهاده
إن ما كان عليه الحسين بن علي، رضي الله عنهما، من عبادة وورع وتدريس للعلم، لم ينسه دوره في محاربة أعداء الإسلام، وفتح الثغور، لنشر دين الله ـ عز وجل ـ لأن ذلك من تمام الواجبات، وهي تاج العزة وسياحة المؤمن.
ولعل أفضل شيء قام به الحسين رضي الله عنه في عهد معاوية انه شارك مع الجيوش المسلمة المجاهدة لفتح أوروبا، على ما كان بينهما من خلاف في وجهات النظر، لم يفسد للود قضية.
فاشترك في غزو «القسطنطينية» وأدى دوره بإيمان وشجاعة، ثم عاد الى المدينة.
كان استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه في اليوم العاشر من شهر المحرم في العام الحادي والستين من الهجرة في كربلاء بالعراق، رحمه الله.
وكان استشهاد الحسين رضي الله عنه معلوما، فلقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن أم سلمة، رضي الله عنها، ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد دخل على البيت ملك لم يدخل علىّ قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال فأخرج تربة حمراء». لم ينل شخص من الرثاء ما ناله الإمام الحسين رضي الله عنه الى وقتنا هذا، فلا يكاد يمر عام وتأتي ذكرى استشهاده، إلا ويتسابق الشعراء في ذكر مآثره وإظهار شجاعته، وهو يدافع عن الظلم والاضطهاد، فتترجم عن الحب العميق للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الذين استشهدوا في سبيل الحق والدعوة الى الله ـ عز وجل.
وكان أول من رثته زوجته السيدة زينب أم السيدة سكينة.