بقلم د.محمد النجدي
اطلعت على مقالة تقول إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وإن من قال إن أبا الرسول صلى الله عليه وسلم وأمه في النار فقد أساء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا رفض لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا في الحق إساءة أدب معه صلوات ربي وسلامه عليه ومن قال إن أبا الرسول وأمه في النار فإنما قال بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فقد روى مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه: من حديث أنس رضي الله عنه في باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار «أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي قال في النار، فلما قفا دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار».
وروى مسلم في آخر كتاب الجنائز باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في زيارة قبر أمه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت»، وما كــــــان الله تعالى ليمنع نبيه صلى الله عليه وسلم من الاستغفار لأمه، إلا لأنها ماتت مشركة. قال الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنـــــوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)، فإذن: من قال إن أبا الرسول صلى الله عليه وسلم وأمه في النار فقد قال ما قاله الرسول نفســــه كما قلنــــا، ولا يعتبر ذلك سوء أدب منه، بل سوء الأدب معه وعليه أن تقول عليه ما لم يقل، وتنسب إلى شرعه ما ليس منه، ومن زعم أن أبا الرسول صلى الله عليه وسلم وأمه في الجنة مع أنهما ماتا على عقيدة الشرك، فقد قال عليه ما لم يقله ونسب إلـــــى شرعه ما لم يكن منه. وهو عين المخالفة للشرع الحنيــــف، قال تعالى (أتقولون على الله ما لا تعلمون) وقال (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون).
والقول بأنهما في الجنة فيه رفض لسنة النبي صلى الله عليه وسلم واعراض عنها قال تعالى في سورة النور (ويقولون آمنا بالله وبــــالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلـــــك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون).
وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فمن جعل لنفسه الخيرة في أمر قد قضى الله فيه أو قضى فيه رسوله، فقد شاق الله ورسوله.
وأما الأحاديث التي جاء فيها أن الله أحيا أبا الرسول وأمه فأسلما، فكلها أحاديث موضوعة لا يصح منها شيء البتة، كما بين حفاظ الإسلام وعلماء الحديث، ومن رفض الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين أو أحدها وأخذ بالأحاديث الموضوعة، فهو المخطئ خطأ كبيرا، وقد خالف ما عليه أهل السنة والجماعة من اعتماد الأحاديث الثابتة الصحيحة والحسنة، والإعراض عن المكذوب والمنكر والضعيف الواهي. ولو قال أحد ان أبا إبراهيم عليه السلام في الجنة أو ابن نوح في الجنة فقد خالف القرآن الكريم، والذي فيه التصريح بكفرهما وأنهما في النار، لأنهما ماتا كافرين فهل يستطيع أحد ان يقول ان من قال ان أبا إبراهيم عليه السلام في النار ومن قال ان ابن نوح في النار أنه قد أساء الأدب مع هذين الرسولين الجليلين اللذين هما من أولي العزم؟ والجواب: لا.
فالواجب على المسلم التسليم للنصوص وعدم الاعتراض عليها بذوقه أو عقله أو عاداته وتقاليده ونحو ذلك، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، والله تعالى أعلى وأعلم.