- أمراض القلب نوعان أحدهما الميل إلى الشهوة ومحبة المعصية والآخر الاتجاه إلى الاعتقادات الباطلة وتقبل الشكوك الرديئة
«الابتلاء الحقيقي هو ابتلاء القلوب»، فالقلوب هي موضع نظر الرب سبحانه، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، هذا ما أكده أستاذ كلية الشريعة بجامعة الكويت د.عادل المطيرات. وأوضح أن كثيرا من الناس يجهلون معاصي القلب وصورها، كالشك والنفاق والشرك والرياء والعجب والكبر والقنوط من رحمة الله والفرح بأذى المسلمين، لافتا إلى أن مريض القلب لا تؤلمه جراح المعصية، ولا يوجعه جهله بالحق، سيئ الظن بالله وبالناس، قليل الذكر لله، ويتثاقل في إتيان الصلاة، لا تجده يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وفي المقابل فإن من علامات صحة قلب المسلم اهتمامه بتصحيح العمل أعظم من اهتمامه بالعمل نفسه، وإذا فاتته طاعة وجد ألما أشد من فوات ماله لأنه يجد لذة في العبادة أشد من لذة الطعام والشراب، وأنه إذا دخل في الصلاة ذهب همه وغمه في الدنيا. «الأنباء» التقت د.المطيرات للحديث حول أهمية العناية بأعمال القلوب، وأبرز أمراض القلوب، وعلامات صحة القلب ومرضه، حيث أشار إلى أن انصراف القلب عن وظيفته الرئيسية من معرفة الله عز وجل وحبه سبب لكثير من الآلام النفسية والقلق.
وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
لكم برامج تلفزيونية وأخرى إذاعية حول موضوع أعمال القلوب، فلماذا الحديث عن أعمال القلوب؟
لأن الله تعالى أمر بتطهير القلب وتنقيته وتزكيته، قال سبحانه (وثيابك فطهر)، قال ابن القيم «وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ههنا القلب»، وامتن الله سبحانه على عباده ببعثة نبيه صلى الله عليه وسلم وأنه جاء لتزكية النفوس والقلوب، قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ولأن الإنسان لا ينجو من عذاب الله يوم القيامة ولا يكون من المفلحين إلا إذا جاء بقلب سليم (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
ولأن صلاح الأعمال إنما يكون بصلاح القلب في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، ولأن ما يعيشه كثير من الناس من قلق وآلام نفسية سببه انصراف القلوب عن وظائفها التي خلقت له فاصطلت بنار هموم الدنيا، فالقلب خلقه الله لحكمه عظيمة: وهي معرفة الله تعالى وحبه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية «والقلب إنما خلق لأجل حب الله تعالى، وهذه الفطرة التي فطر الله عليها عباده».
وكذلك فإن الكثير من مشكلات الناس سببها أمراض القلوب كالكبر والعجب والحسد والغل والحقد وسوء الظن، وغيرها من الأمراض، فهذه المشكلات تترجم أحوال قلوب أصحابها، ولا سبيل إلى علاج مثل هذه المشكلات إلا بعلاج أمراض القلوب، ولأن كثيرا من الناس يجهلون أن هناك معاصي قلبية: كالشك والنفاق والشرك، والرياء والعجب والكبر، والقنوط من رحمة الله، والفرح بأذى المسلمين، وأخيرا فإن الابتلاء الحقيقي هو ابتلاء القلوب، وأن القلوب موضع نظر الرب سبحانه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
أنواع القلوب
ما أقسام القلوب في ميزان الشريعة؟
القلوب ثلاثة أقسام: قلب سليم، وقلب ميت، وقلب مريض، فالقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والكفر وأدناس المعصية، الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، وأما القلب الميت فهو الذي لا يعرف ربه، ولا يعبده بما شرع، واتبع الشهوات والشبهات، فجعل إلهه هواه من دون الله سبحانه، وأما القلب المريض فهو قلب له حياة وبه علة، فله مادتان، تمده هذه مرة، وهذه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مدة حياته، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها، والحسد والكبر والعجب وحب العلو في الأرض والفساد بالرياسة ما هو مادة هلاكه، فهو ممتحن بين داعيين، داع يدعوه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة، وداع يدعوه إلى العاجلة، وهو إنما يجيب أقربهما منه بابا.
لكن ما هي أمراض القلوب؟
أمراض القلوب نوعان: مرض شهوة، ومرض شبهة، فمرض الشهوة هو أن يميل القلب إلى محبة المعصية، وشهوة الفاحشة، وإرادة الفجور، وتثور فيه معاني الحسد والكبر والبخل والجبن، وغيرها من الأدواء، وأما مرض الشبهة فهو أن يميل القلب إلى الاعتقادات الباطلة، ويتقبل الشكوك الرديئة، ويصبح محلا قابلا لفتنة الشبهة التي يلتبس فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال، والمعروف بالمنكر.
علامات المرض
كيف لنا أن نعرف إن كانت قلوبنا مريضة أم لا؟ وهل هناك علامات يتبين لنا منها المرض؟
لمرض القلب علامات، أولاها أنه لا تؤلمه جراحات المعصية، فتراه يعصي ويعصي، ويقع في صغائر الذنوب وكبائرها دون مبالاة ولا تأثر، فإن القلب إذا كانت فيه حياة تألم بورود القبيح عليه، وأحس بهذا الألم على الحقيقة، والعلامة الثانية ألا يوجعه جهله بالحق فلا يرضى أن يكون جاهلا بأمور دنياه، ولكنه يرضى بأن يكون جاهلا في أمور دينه وأخراه، لا يحرص على العلم الشرعي وتعلم أمور الدين العلمية والعملية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
والعلامة الثالثة هي سوء الظن بالله سبحانه: هو صفة المنافقين والمشركين، قال الله تعالى (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء) والمقصود بالآية ظنكم السيئ من أن الله تعالى لا يطلع على أعمالكم هو الذي أهلككم، ولو تأمل المتأمل في أحوال كثير من الناس لظهرت له صور وأحوال من الظن السيئ بالله لا تخطر لهم على بال.
وأما العلامة الرابعة فهي سوء الظن بالناس، والعلامة الخامسة ألا يقرأ القرآن بتدبر، فصاحب القلب المريض معرض عن القرآن، هاجر له، وإذا قرأ القرآن لم يقرأه بتدبر، بل يهزه هز الشعر، يقرأ بلا تدبر ولا تفكر، ولا وقوف عند معانيه وأسراره، يقول سبحانه (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) قال ابن جرير في تفسيره يقول تعالى ذكره: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، ويتفكرون في حججه التي بينها لهم في تنزيله، فيعلمون بها خطأ ما هم عليه مقيمون، (أم على قلوب أقفالها) يقول: أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر.
ومن العلامات أيضا أن صاحب القلب المريض يتثاقل عن الصلاة، ولا يتحسر على فوات طاعة، ولا يحرص على اغتنام الوقت بالطاعة، وتجده معرضا عن ذكر الله، ويقدم الأدنى على الأعلى، فيهتم بتوافه الأمور على حساب دينه، ومنها الوحشة من الصالحين والأنس بالعصاة، وقبوله للشبهات وتأثره بها، وكونه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
صحة القلب
لكن ماذا عن علامات صحة القلب؟
العلامة الأولى أنه يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة ويحل فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدنيا غريبا، يأخذ منها حاجته ويعود إلى وطنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك من أصحاب القبور». رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأصله في البخاري.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرب منها، حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.
العلامة الثانية: أنه لايزال يضرب على صاحبه حتى يتوب إلى الله تعالى وينيب، ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، فبه يطمئن وإليه يسكن وإليه يأوي وبه يفرح وعليه يتوكل وبه يثق وإياه يرجو وله يخاف فذكره قوته وغذاؤه ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره والالتفاف إلى غيره والتعلق بسواه داؤه والرجوع إليه دواؤه فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به وزال ذلك الاضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبدا وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذي له خلق الخلق ولأجله خلقت الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب، ولو لم يكن جزاء إلا نفس وجوده لكفى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبة . قال بعض العارفين مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته، وقال آخر: إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، وقال آخر: والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته. وقال أبوالحسين الوراق: حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير. ولهذا كان الفوت عند العارفين بالله أشد عليهم من الموت، لأن الفوت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق فكم بين الانقطاعين. وقال آخر: من قرت عينه بالله تعالى قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات. وقال يحيى بن معاذ: من سر بخدمة الله سرت الأشياء كلها بخدمته ومن قرت عينه بالله قرت عيون كل أحد بالنظر إليه.
والعلامة الثالثة: أن يكون سالما من محبة ما يكرهه الله سبحانه: من الشرك الجلي والخفي، ومن الأهواء والبدع، ومن الفسوق والمعاصي الظاهرة والباطنة. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان». قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد». رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
ومن العلامات أيضا أنه يهتم بتصحيح العمل أعظم من اهتمامه بالعمل نفسه، وأنه لا يفتر عن ذكر الله ولا يفتر عن عبادته، وأنه يحرص على القرآن قراءة وتدبرا وعملا، وأنه إذا فاتته طاعة وجد لفواتها ألما أشد من فوات ماله، أنه يجد لذة في العبادة أشد من لذة الطعام والشراب، وأنه إذا دخل في الصلاة ذهب همه وغمه في الدنيا، وأنه شح بوقته أن يضيع من الشحيح بماله، وأن يكون همه واحدا، وأن يكون في الله، وأخيرا أنه يؤثر النافع الشافي (غذاء الإيمان ودواء القرآن) على الضار المؤذي.