بقلم محمد العصيمى
الحمد لله القائل في محكم التنزيل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، والصلاة والسلام على من شرفه الله تعالى بالمعجزة الخالدة التي هي القرآن الكريم قال صلى الله عليه وسلم «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكثرهم تابعا يوم القيامة» رواه البخاري ومسلم.
إن المتأمل لهذه الحملة الشرسة على هذا القرآن، وهي حملة ليست وليدة اللحظة، أو حادثة الوقوع، بل هي حملة بدأت مع بداية تنزيل هذا القرآن، تولى كبر هذه الحملة وحمل لواءها اليهود والمشركون الأوائل حينما شككوا فيه ونسبوه إلى غير قائله والمتكلم فيه وهو الله تعالى كما قال الله عنهم (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين). ثم تتابعت هذه الحملات الشرسة من بقية أعداء الله تعالى على مدى العصور والدهور، حتى زمننا المعاصر من خلال حملات التشكيك التي نسمعها ونقرأ عنها بين كل فترة وأخرى عبر مقالة هنا وكلمة هناك، وثالثة في قناة ورابعة في موقع من مواقع الإنترنت وهكذا، مما جعل الكثير من المسلمين يصيبه شيء من الاهتزاز والتأثر، والذي سببه كما لا يخفى قلة البضاعة العلمية، والجهل بحقيقة هذا القرآن وإعجازه وما صاحب تنزيله وكتابته وحفظه وجمعه وترتيبه، وغيرها من المسائل التي لا يسع المسلم الجهل بها، وسأذكر في هذه المقالات على سبيل نقاط موجزة جملة من المسائل المهمة المتعلقة بالقرآن ليستوعب القارئ أهمية هذا الباب، ويكون عنده حصن حصين يمنعه من طروء الشبه وورودها عليه.
عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن
1- يعتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله تعالى، وأنه لا يتم إيمان إنسان حتى يؤمن به، وأن من لم يؤمن بأنه كلام الله فقد كفر قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدا) «النساء». وغيرها من الآيات.
ومن قرآ القرآن من فاتحته إلى خاتمته علم تمام العلم وتيقن غاية اليقين أنه كلام الله تعالى تنزيله وقصصه وتعليمه وألفاظه ومعانيه وإيجازه وإعجازه، وقد تحدى الله البلغاء والفصحاء والخطباء أن يأتوا بسورة من مثله، وهو يعلم سبحانه أنهم اعجز من أن يفعلوا ذلك (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا). 2- ويعتقد أهل السنة أن الله أنزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، فالله جل وعلا تكلم به على الحقيقة لفظا ومعنى، صوتا وحرفا، وإنما نقله جبريل كما سمعه من الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس مخلوقا، ومن استدل على أن القرآن معناه من الله ولفظه من جبريل فقد أبعد النجعة وخالف سبيل المؤمنين، وما استدلوا به على ما ذهبوا إليه بعيد غاية البعد لمن علم وتيقن، ومن ذلك قوله تعالى (إنه لقول رسول كريم) أي جبريل كما في سورة التكوير، ومحمد صلى الله عليه وسلم كما في سورة الحاقة. فليس لهم ها هنا دليل، والمراد أن الإضافة إلى الرسول في الآيتين إنما هي إضافة تبليغ، وليست إضافة ابتداء كما فهم البعض، بمعنى أن جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بلغا عن الله، والذي تكلم ابتداء هو الله جل وعلا كما، قال تعالى (تنزيل من رب العالمين)، وقال (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك)، وقال (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد)، وغيرها من الآيات التي تربو على الألف دليل من القرآن تدلل على أن القرآن إنما هو كلام من الله تعالى، تكلم به على الحقيقة، وللحديث بقية في المقالة القادمة حول عقيدتنا في القرآن الكريم.