أعجبوا بشخصه الكريم ورقيه الاخلاقي والحضاري مما جعلهم يسطرون فيه الكتب ويذكرون شخصه في كل وقت وهذا جزء من كل ما قالوا في عظيم شخصه وصفاته الجليلة:
أعظم قائد
جولز ماسيرمان محلل نفسي أميركي وأستاذ في جامعة شيكاغو يعطينا على عكس المشاركين الآخرين الأسس التي بنى عليها اختياره والأسباب التي جعلته يختار القائد الأعظم لجميع الأزمنة، إنه يريدنا أن نكتشف ما نبحث عنه حقا في الرجل المطلوب، المؤهلات التي تجعله فريدا، وقد نبحث عن أي مجموعة من المؤهلات كما في حالة مايكل هارت الذي كان يبحث عن الشخص الذي حقق أقوى تأثير.
يبحث ماسيرمان في التاريخ، ويقوم بالتحليل والتمحيص لويس باستير، غاندي، كونفوشيوس، الإسكندر الأكبر، قيصر، هتلر، بوذا، المسيح.. إلى آخر الباقين حتى وصل أخيرا إلى النتيجة التالية: «لعل أعظم قائد كان على مر العصور هو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جمع الأعمال الثلاثة وقد فعل موسى الشيء نفسه بدرجة أقل».
وليس لنا إلا أن نندهش من ماسيرمان لأنه كيهودي قد تنازل ليتفحص حتى أدولف هتلر العدو الرئيسي لشعبه فهو يعتبره قائدا عظيما، فقد كان قوم هتلر وهم الأمة الألمانية القوية المكونة من 90 مليون نسمة كانوا مستعدين أن يسيروا إلى قدرهم أو دمارهم بأمره. واحسرتاه لقد قادهم إلى الهلاك.
لكن «هتلر» ليس هو مجال السؤال، إنما السؤال هو: لماذا يعلن ماسيرمان، وهو يهودي أميركي، وخادم مدفوع الأجر للحكومة بالتصريح لأبناء بلدته الذين يزيدون عن 200 مليون منهم اليهودي والمسيحي: إنه لا المسيح ولا موسى، لكن محمد عليهم السلام جميعا هو القائد الأعظم the greatest leader في جميع الأزمنة.
ويمكننا الآن وبعدالة أن نستنتج أن إله الرحمة الذي يعرف دائما الجهود المخلصة لعباده إنما فقط يوفي بوعده لمحمد صلى الله عليه وسلم رسوله المختار حين قال: (ورفعنا لك ذكرك ـ الشرح: 44).
كأنما هي قوة خفية جعلت الأصدقاء والأعداء على السواء يقدمون إجلالهم غير المستجدي للرسول القوي المبعوث من عند الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل جنود الخالق القدير، حتى الشيطان نفسه دخل في خدمة الرسول كما فعل في عهد المسيح.
لغة القرآن
ويقول فيليب حتى: صفات محمد صلى الله عليه وسلم مثبتة في القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر. إن المعارك التي خاضها والأحكام التي أبرمها والأعمال التي قام بها لا تترك مجالا للريب في الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص البالغ وغير ذلك من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ. ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيما فقيرا، فقد كان في قلبه دائما سعة لمواساة المحرومين في الحياة.
إذا نحن نظرنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لايزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر.
لا سكوت بعد اليوم
وكلمة حق يقولها الامير تشالز: يمكن للاسلام ان يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته، ذلك اننا نجد في جوهر الاسلام محافظته على نظرة متكاملة الى الكون، فهو يرفض الفصل بين الانسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة «لا سكوت بعد اليوم».
منزلة عظيمة
قال الكاتب الإنجليزي الكبير لويس توماس: قبل أن يكتشف كريستوف كولمبوس أميركا بألف سنة أبصرت عينا الطفل القرشي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم النور في مكة، فكأن الله اختار هذا الطفل ليقلب تاريخ العالم، وكان في طفولته يرعى الماعز والغنم فيقودها إلى أعالي الجبال التي تحيط بمكة إحاطة السوار بالمعصم، ولما شب وأينع راح يذهب إلى سورية في تجارة بمال إحدى نساء قريش (يشير إلى السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها)، وسرعان ما شعر أن قومه الذين يعبدون الأوثان كانوا على ضلال، يتمسكون بدين منبعث من الأوهام والأساطير، فبعث بدين متسامح رضيه بقلبه كل إنسان من دون مشقة، وقد علم أصحابه حب آدم وابراهيم، وموسى وعيسى، واعتبارهم أنبياء مرسلين، لكن هؤلاء لا يعتبرون بمنزلة محمد بل هم أقل منه بدرجات، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل، ودينه دين الله العام على عالم البشرية، لهذا لا توجد أسرة في الجزيرة العربية لا تسمي أحد أبنائها باسم محمد، وينتشر اسم محمد في العالم أكثر من انتشار اسم بطرس (ناشر الدين المسيحي) ويوحنا، فهل يستغرب بعد هذا كله أن تكون تلك الصحراء مهدا لأعظم أديان العالم وهي اليهودية والنصرانية والإسلام؟
إن العرب يسمون الصحراء رياض الله، وهم يقولون بأنه ليس في الصحراء غير الله وحده، ففي صحراء الجزيرة العربية كل شيء يوحد الله، والسموات والأرض تسبح بحمد الله، وإلى اللانهاية تمجد أعمال الله، والنهار يتلوه النهار، والليل يعقب الليل، وفي تلك الصحراء لا يوجد من يفكر في الاستيلاء والتسلط على غيره.
إن مدنيتنا الطاغية لا تسمح لنا بإضاعة وقتنا بالتفكير، لكن تلك الصحراء في سمائها الصافية الصحية هي مبعث الأحلام القدسية، ومهبط الوحي من عند الله، لقد كان محمد العربي القرشي، النبي الهاشمي، والرسول التهامي، أول من وحد قبائل الجزيرة المتنافرة، وأول من ألف بين قلوب شعوبها المتقاتلة، وجمع كلمتها تحت راية واحدة، ثم قال لويل توماس: لقد كان ظهور محمد النبي صلى الله عليه وسلم في حين الحاجة إليه لطرد الغاصب الغريب (يشير إلى محاولة دولتي الفرس والروم لبسط السلطة على جزيرة العرب قبل البعثة)، فجاء محمد، وجمع كلمة العرب، ووحد صفوف العرب، لكن لا باستعمال القوة والاعتماد على الشدة، بل بكلام عذب حكيم، أخذ منهم كل مأخذ، فاتبعوه وآمنوا به، وقد فاق فتى مكة جميع الرسل وقادة الرجال بصفات لم تكن معروفة لدى العرب، فجمع بين القلوب المتفرجة، وجعل منها قلبا واحدا. ومضى لويل توماس يقول: مات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتدفقت بعده موجة الإسلام، فاجتازت الصحاري، ودخلت المدن، وذلك لتجعل ذكرا خالدا أبديا لذلك الرجل العظيم الذي أنتجته وأنبتته صحراء قاحلة، فأثمر ثمرا لم يحلم به العالم من قبل.
وامتدت هذه الموجة (موجة الإسلام) فعمت آسيا وأفريقيا إلى أن استولت على أواسط أوروبا، تلك الموجة التي لم تحلق بها موجة الرومان في إبان مجدهم، وعهد عظمتهم، وفي هذا العصر عصر فتوحات الإسلام قدم العرب للعالم أجمع أعلم رجال الإسلام، وأكثرهم ثقافة، وبهذا وذلك فإن الإسلام قد حل بالعالم، وانتشر في ربوعه بسرعة الصاعقة، وإنما بدأت تنحط هذه الإمبراطورية العظيمة (يريد دولة الإسلام التي تأسست بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم منذ واقعة بواتيه في أرض الغال ـ يريد فرنسا ـ ثم قال: وبقي كثير من رجال العرب في البلاد التي دخلوها ينشرون تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا يعلنونها بكل قوة من الإيمان في أعلى السطوح، ورؤوس المآذن، وينادون أينما حلوا قائلين: «لا إله إلا الله محمد رسول الله».