وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1431هـ قال فيها: من البقاع الطاهرة، من مشعر منى أهنئ جميع المسلمين في أنحاء المعمورة بعيد الأضحى المبارك، متمنيا لحجاج بيت الله الحرام حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا، شاكرا وحامدا المولى جل وعلا على نعمته عليهم بقضاء نسكهم، في أجواء مفعمة بفيض الإيمان، وطاعة الرحمن، متجردين عن متع الدنيا، وأسأل المولى القدير أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال، ويصلح القلوب والأحوال، ويزكي النفوس ويحقق الآمال.
كما أنني بهذه المناسبة أسأل الله أن يجعل هذا الجمع لأداء فريضة الحج فاتحة خير على المسلمين في كل عام، لتجديد صلاتهم الأخوية، وتوثيق عرى المودة والمحبة والتلاحم والتراحم بينهم، لما فيه عزتهم وتحقيق مصالحهم في معاشهم ومعادهم.
في كل موسم حج، أتأمل بكل غبطة وسرور هذه المشاعر المقدسة التي يلتقي على صعيدها حجاج بيت الله الحرام، وقد أتوا من مشارق الأرض ومغاربها بمختلف ثقافاتهم وأعرافهم وتقاليدهم، تجمعهم عقيدة الإيمان، وتوحدهم ديانة الإسلام. إن الديانات السماوية تجتمع على مبادئ كبرى وتشترك في قيم عظمى، تشكل في مجموعها مفهوم الإنسانية، وتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وما هذا التجمع الإسلامي الكبير في مشاعر الله، وهذا المشهد الإيماني إلا مظهر من مظاهر الإرادة الإلهية في توحد الأمة وتوحيدها لخالقها، وتجسيد لفكرة المساواة والعدل في ظل الشرع القويم الذي رسم للبشرية قواعد الحياة الآمنة السعيدة.
لقد أراد الله جل وعلا أن تكون هذه الفريضة السنوية ملتقى لإخوة الإيمان، أبناء الدين الواحد، تتجلى فيها وحدة الزمان والمكان والمقصد وتترسخ فيها مفاهيم جليلة في وجدان أبناء هذه الأمة تحافظ من خلالها على شعيرة الحج من مقاصد أخرى تصرفها عن مرادها وغايتها قال تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) الحج: 197.
في هذا المشهد العظيم ومع وحدة الزمان والمكان والمقصد تتجلى الوحدة الإسلامية وحدة متكاملة متجانسة تشمل المظهر والمخبر.
لقد تحدثت في موسم حج سابق عن أهمية الحوار بين أتباع الأديان، حيث دعت المملكة العربية السعودية إلى فكرة الحوار وقوبلت بالترحيب، وباركتها الأسرة الدولية بأكملها.
إن هدف المملكة من هذا المشروع هو عزة الإسلام وخدمة الإنسانية، ونحن متفائلون بنجاح مثل هذه الأفكار الرامية إلى نبذ العنف والإرهاب الذي يكتوي عالمنا المعاصر بناره.
واليوم نحن بحاجة إلى حوار الأمة مع نفسها لنبذ الفرقة والجهل والغلو التي تشكل عقبات تهدد آمال المسلمين، كما أن الإرهاب الذي يهدد العالم وينسب للمسلمين وحدهم سببه أفعال المتطرفين الخارجين عن سماحة الإسلام، وهم بأفعالهم هذه لا يمثلون غير أنفسهم وإن لبسوا ثوب الإسلام، والإسلام منهم بريء.
ومن هذا المكان الطاهر أدعو إخواني قادة وشعوب الدول العربية والإسلامية إلى الاعتصام بحبل الله جميعا، ونبذ دواعي الفرقة والتحزب، لتفويت الفرص على أعداء الأمة المتربصين.
في هذه المناسبة الإنسانية العظيمة، أدعوكم، وأدعو كل من تصل إليه كلماتي هذه، أيا كان، أن نتذكر ما يجمع بين الأديان والمعتقدات والثقافات، وأن نؤكد على ما هو مشترك، فبهذا نتجاوز خلافاتنا، ونقرب المسافات بيننا، ونصنع عالما يسوده السلام والتفاهم، ويعمه التقدم والرخاء.
والله أسأل أن يتقبل حجكم، ويبارك سعيكم، ويعيدكم إلى أهليكم وذويكم سالمين غانمين، وقد نلتم فضل الحج العظيم بالقبول، ومغفرة الذنوب، إنه ولي ذلك والقادر عليه. كما أسأل الله تعالى أن يعيد أعياده على الأمة الإسلامية وهي بأحسن حال وأنعم بال.