كانت دمشق الشام في الماضي ملتقى لحجاج بيت الله الحرام من شتى بقاع العالم في مختلف الفترات التاريخية الأموية والنورية والايوبية اذ كان الحجاج يرون ان حجهم لا يكتمل الا بزيارة دمشق والتبضع فيها.
وأطلق على دمشق في العصر العثماني لقب (شام شريف) كما اطلق على طريق قوافل الحجاج طريق «الحج الشامي» لأهمية موقع الشام في رحلة الحجاج.
ومن اهم مظاهر الحج الشامي «المحمل الشريف» الذي كان يحمل كسوة الكعبة المشرفة الى مكة حيث كانت رحلة المحمل الشريف تنطلق من اسطنبول في الاول من شهر رجب ويتم الإعلان عن موعد الرحلة وتتزين المساجد بأضواء براقة وتقام حولها السرادقات مع موائد الطعام وإحياء الليالي بتلاوة القرآن والدروس الدينية والأناشيد في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويجمع الباحثون على ان قصر الخلافة (قصر طوب قابي) كان يتميز قبل اشهر الحج بحيوية ونشاط حيث يتم تزيين جميع أرجاء القصر وتقام الخيام وتبسط السجاجيد وتعلق الستائر المذهبة وتنثر الأزهار والورود الزاهية في أنحائه وتستمر الاحتفالات حتى يوم الـ 12 من شهر رجب.
وبعد احتفال مهيب في القصر السلطاني ينطلق موكب الحج الذي يتألف من الجمال المحملة بالهدايا ومئات من الفرسان المدججين بالسلاح يتقدمهم جمل المحمل وهو جمل جميل الشكل مهيب البنية لا يستخدم لاي عمل سوى الحج ويحمل كسوة الكعبة الشريفة والصرة السلطانية. ثم يتحرك الموكب الى ديار الشام مجتازا اراضي الأناضول مدينة تلو اخرى ويستقبل اهل الأناضول المحمل بكل إجلال واحترام وكلما مر على مدينة انضم اليه الحجاج ثم تحط القافلة رحالها في دمشق ملتقى قوافل الحجاج من كل انحاء العالم ومنها تسير الأفواج الى الأراضي المقدسة.
وفي تصريح لـ «كونا» يقول الباحث السوري محمد قويدر ان رحلة المحمل الشريف تبدأ بالانطلاق في الرابع من شهر شوال بعد ان يعطي «امير الحج» اشارة الانطلاق فتبدأ الحركة ويسير المحمل الشريف وسط حشد كبير من المسؤولين والمرافقين والمودعين.
ويمر الموكب من باب الميدان ثم باب مصر متجها نحو قرية القدم بينما يتهافت الناس ويملأون الشوارع مهللين ومكبرين ومودعين وتعلو اصوات المنشدين وقراء القرآن الكريم التي تضفي على سماء المدينة جوا روحانيا رفيعا، تثير في القلوب عواطف شجية رقيقة.
ويقول الباحث السوري انه في «قرية القدم» وهي المحطة الاخيرة قبل التحرك ينتظر الموكب ان تكتمل عدة السفر 10 ايام حتى يتم وضع المحمل الشريف وكسوة الكعبة والصرة السلطانية في صناديقها الخاصة وسط احتفالات كبيرة واخيرا تشد القافلة رحالها باسم الله ناحية الاراضي المقدسة.
وكان السلطان العثماني يتعاون مع قبائل بدوية منتشرة على طول طريق موكب الحج لحراستها من اللصوص الذين كانوا يغيرون على قوافل الحج.
وفيما يتعلق بالصرة التي كانت ترافق المحمل يقول الباحث قويدر «لقد بدأت عادة إرسال الصرة الى الحرمين الشريفين في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (908-932م) وتشير الوثائق الى ان الفاطميين والمماليك كانوا يرسلون صرة الى الحجاز ايضا».
ويضيف «لقد اعتاد السلاطين العثمانيون على ارسال الصرة منذ بداية تأسيس الدولة العثمانية الا ان اول صرة تم العثور على وثيقتها في الأرشيف العثماني تعود الى تاريخ 1389 ميلادية وهو عهد السلطان بيازيد الاول».
وجاء في نص الوثيقة «لقد صدر الأمر السلطاني بإرسال صرة بمقدار 80 الف قطعة ذهبية تنفق في مرافق الحرمين الشريفين وتوزع على فقرائها واشرافها وساداتها وعلمائها» ثم تمت زيادة هذا المبلغ من المال في عهد السلاطين الآخرين.
ولما أصبحت الحجاز ضمن حدود الاراضي العثمانية عام 1517 ميلادية على يد السلطان سليم الاول امر بتخصيص 200 ألف قطعة ذهبية كل عام للحرمين الشريفين مع هدايا ثمينة ومواد غذائية متنوعة اما اكرم السلاطين العثمانيين فهو السلطان سليمان القانوني.
وكانت آخر صرة تم ارسالها في عام 1917 حين ارسلت عبر الشام اثناء الحرب العالمية الاولى ولكن عندما انتهت الحرب عادت القافلة ادراجها الى مدينة اسطنبول فكانت نهاية قوافل المحمل الشريف او ما عرف بمواكب الصرة.