إذا كانت الثقافة الغربية تعلي من نظام العقل والعقلانية والعلم والعلمية فإن علينا أن نقدم لأبناء هذه الثقافة شهادات اعلام علماء الغرب على عقلانية الإسلام ليس ردا فقط على الذين يشككون في هذه الحقيقة وانما ايضا لأن التعريف بهذه العقلانية الإسلامية تفتح العقول والقلوب الغربية أمام دعوة الإسلام.
صبغة تاريخية
يقول أستاذ التاريخ في جامعة ستراسبورغ في باريس كلود كاهن: اصطبغت شخصية محمد صلى الله عليه وسلم بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى».
«يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيا وفكريا، كما استطاع في الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل البقاء والخلود للرسالة التي بشر بها. وحتم علينا أن نلقى محمدا صلى الله عليه وسلم بعواطف الإجلال والاحترام لما تحلى به من سمو الإلهام ومن قدرة على تذليل العقبات الإنسانية عامة والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة. وربما أثارت فينا بعض جوانب حياته شيئا من الارتباك تبعا لعقليتنا المعاصرة. فقد أكدت المهاترات على شهوات الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيوية وألمحت إلى زوجاته التسع اللائي اتخذهن بعد وفاة خديجة رضي الله عنها. لكن الثابت أن معظم هذه الصلات الزوجية قد طبعت بطابع سياسي، وأنها استهدفت الحصول على ولاء بعض الأشراف وبعض الأفخاذ، ثم إن العقلية العربية تقر للإنسان إذا استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله».
«... الحق أننا نتجاوز النقد العلمي الصحيح إذا أنكرنا على كل حديث صحته أو قدمه، ولقد باشر العلماء في مثل هذا التمحيص منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد لا يعمان على نسق واحد واستندوا في ذلك إلى بعض الأحاديث التي يمكن اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها. بمعنى أن الموقف النقدي مفروض على الباحث المنصف. وفقهاء المسلمين أنفسهم هم قدوة لنا في هذا المضمار لأنهم على طريقتهم قد التزموا بذلك الموقف منذ العصر الوسيط».
حركة التنوير
يقول العالم الألماني المعاصر رودلي بارت: «كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي صلى الله عليه وسلم أدلة الله، ومشرعا حكيما، ورسولا للفضيلة، وناطقا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرا به».
«كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادا. حتى أتى محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس».
المشرع
يقول ماسيه: «بفضل إصلاحات محمد صلى الله عليه وسلم الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية».
«.. كان محمد صلى الله عليه وسلم هو المشرع الملهم والمحرك الأول للوحدة الدينية بين جميع الأقوام.. وكان بسيطا وحازما».
يقول د.شبرك النمساوي: «إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد صلى الله عليه وسلم إليها، إذ إنه رغم أميته، استطاع قبل بضعة عشر قرنا أن يأتي بتشريع، سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمته».
قرآنه يشهد
أما زويمر الكندي (مستشرق كندي 1813 ـ 1900) فقال في كتابه «الشرق وعاداته»: إن محمدا كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضا بأنه كان مصلحا قديرا وبليغا فصيحا وجريئا مغوارا، ومفكرا عظيما، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء.
عظيم الصفات
ويقول العلامة سنرستن الآسوجي (العلامة سنرستن الآسوجي: مستشرق آسوجي ولد عام 1866، أستاذ اللغات السامية، ساهم في دائرة المعارف، جمع المخطوطات الشرقية، محرر مجلة «العالم الشرقي» له عدة مؤلفات منها: «القرآن الإنجيل المحمدي» ومنها: «تاريخ حياة محمد») يقول: إننا لم ننصف محمدا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصرا على مبدئه، ومازال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ.
ترقية العقول
أما المستر سنكس (وهو مستشرق أميركي ولد في بلدته بالاي عام 1831، توفي 1883) فيقول في كتابه «ديانة العرب»: ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة.
إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقيا كبيرا جدا في العالم، وخلصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان. ولقد توصل محمد بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة.
شخصية باهرة
ويقول آن بيزيت في «حياة وتعاليم محمد دار مادرس للنشر 1932»: من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء، ورغم أنني سوف أعرض فيما أروي لكم أشياء قد تكون مألوفة للعديد من الناس فإنني أشعر في كل مرة أعيد فيها قراءة هذه الأشياء بإعجاب وتبجيل متجددين لهذا المعلم العربي العظيم.
هل تقصد أن تخبرني أن رجلا في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفيا لها طيلة 26 عاما ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ـ السن التي تخبو فيها شهوات الجسد ـ تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟ ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص.
فلو نظرت إلى النساء اللاتي تزوجهن لوجدت أن كل زوجة من هذه الزوجات كانت سببا إما في الدخول في تحالف لصالح أتباعه ودينه أو الحصول على شيء يعود بالنفع على أصحابه أو كانت المرأة التي تزوجها في حاجة ماسة للحماية.