قال معاوية ذات يوم لضرار بن ضمرة : صف لي عليا. فقال ضرار : اعفني يا أمير المؤمنين، فقال معاوية: لتصفنه قال اما ولابد من وصفه. فإنه والله كان بعيد المدى، شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما غلظ، وكان والله كأحدنا..ونحن مع تقريبه لنا.. وقربه منا. لا نكلمه هيبة، ولا نبتديه لعظمته.. فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. واشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ كالسليم (الملدوغ) ويبكي بكاء الحزين، وكأني اسمعه وهو يقول: اليك عني يا دنيا، غري غيري، هيهات هيهات، قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق.