تحدثنا في المقالات السابقة عن معتقد أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم، ونظرا لما لهذا الموضوع من أهمية قصوى، لاسيما وقد خرج علينا في هذا الزمان من يطعن في كتاب الله عبر دعاوى فارغة، وشبه ممجوجة، صادفت وللأسف قلوبا خاوية تأثرت بما يذكر وينقل.
وبما أن الموضوع من الأهمية بمكان أكمل ما بدأت به من الكلام حول أحكام القرآن.
ومن المباحث التي تحدث عنها العلماء وهي متعلقة بهذا الموضوع أي موضوع التنزيل معرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل: فأول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم أول خمس آيات من سورة العلق (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) وهذه السورة لم تنزل كاملة، وإنما نزلت مقطعة مفرقة كما هو الحال مع أكثر سور القرآن، ثم إن نزول هذه السورة لا علاقة له بترتيب المصحف، فهي وإن كانت أول ما نزل إلا أن ترتيبها في آخر المصحف.
ومما يجب أن يعلم كذلك أن ترتيب الآيات لم يكن باجتهاد من أحد الصحابة، بل هو أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الآية إذا نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ضعوها في سورة كذا قبل آية كذا وبعد آية كذا.
وبعد أن نزل مطلع سورة العلق فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قيل أربعين يوما وقيل ستة أشهر وقيل سنة ونصف السنة ـ ثم نزلت سورة المدثر (يا أيها المدثر قم فأنذر)، أما آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر في ذلك أقوال، الأقرب منها والعلم عند الله تعالى أنها قوله تعالى (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) روى ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما، وأما من ظن أن آخر ما نزل هي قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) فهذه الآية نزلت في حجة الوداع وإنما فيها إكمال الدين وليس فيها إكمال تنزيل القرآن كما ظن بعض الناس، فهذه الآية نزلت في حجة الوداع في يوم عرفة، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها أكثر من ثلاثة أشهر، والقرآن ينزل عليه حتى كان قبل وفاته سبع ليال فنزلت فيها (واتقوا يوما.......) وكان آخر ما نزل من القرآن لأنه بعد ذلك وعك صلى الله عليه وسلم وعكا شديدا حتى أنه كان يغشى عليه مرات ومرات، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وللحديث بقية بإذن الله.