- نهى الإسلام عن قتل المسالم أو حتى من قال سلاماً وكان خطابه للناس جميعـاً محترماً فروقاتهم مؤكـداً علــى حقوقهــم
- المجتمع شبكة عنكبوتية متماسكة ملتصقة بعضها ببعض فيجب المحافظة على تماسكه
إن الاهتمام بالإنسان وتوفير السبل المعينة على تطويره نحو الأحسن وتهيئة الأجواء له أولوية الأولويات في العمل الإنساني، ذلك لأن الفرد هو محور أي إصلاح أو تحسين، وحيث ان التغيير صفة من صفات الحياة الدنيا فإن من الواجب علينا كبشر التكيف مع التغيير بل الاستفادة منه للتغيير إلى الأحسن، هكذا يقول مدير مركز الراشد د.صلاح الراشد وفي هذا الحوار يحدثنا د.الراشد عن تهيئة الأجواء وتحسين الأوضاع للتنمية البشرية المتعلقة بمجموعة مقاييس ومعايير سبقنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبقها فلنتعرف عليها.
ما تعريف التنمية البشرية؟ وما المقصود منها؟
كلمة تنمية أصلها من النماء وجذرها «نما» أي زاد وتطور وعلا، والنماء هو المكاثرة ومنها النمو أي التحسن، والمقصود بالخصوص من التنمية البشرية هو تنمية الإنسان نفسه من خلال تطوير فكره وحياته وفرصه في الحياة، وقد اهتمت الدول والمؤسسات العاملة في القديم والحديث بموضوع التنمية وأولته اهتماما كبيرا إذ كانت رغبة أكيدة في توفير الحياة الكريمة للإنسان.
خطاب الأنبياء
كيف كان اهتمام الأديان بالتنمية البشرية؟
كل دين صادق جاء معينا للبشرية، وكانت تلك أولويات كل نبي من أنبياء الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولقد روى الأئمة جزءا من خطاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما قدم الى المدينة معلنا تأسيس الدولة المدنية، ومن عادة الرؤساء والحكام في قديم الزمان وحديثه انهم عند توليهم الحكم يبينون معالم الدولة أو أولويات المرحلة أو أساس العمل.
إفشاء السلام
وما الأدلة التي ترونها قد حدثت في عهد النبوة؟
نظرا لأهمية هذا الموضوع أوضح الحديث: «عن عبدالله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنجفل الناس إليه وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت في الناس لأنظر اليه فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت ان وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء تكلم به ان قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام واطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».. رواه ابن ماجة والدارمي والترمذي وأحمد.
وقال السندي شارح ابن ماجة: قوله: «أفشوا» من الإفشاء أي اكثروه فيما بينكم وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، وإطعام الطعام لقوله: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا..) الآية، وصلاة الليل لقوله: (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما)، وقوله يدخلون الجنة موافق لقوله: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما) والله أعلم، وقال الأحوذي شارح الترمذي «يا أيها الناس» خطاب العام بكلمات جامعة للمعاملة مع الخلق والحق «أفشوا السلام» أي اظهروه واكثروه على من تعرفونه ومن لا تعرفونه.
وقال الإمام النووي: وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة «نقله ابن القيم في عون المعبود في شرح سنن أبي داود.
لماذا ذكرت كلمة السلام في القرآن والسنة أكثر من كلمة الحرب؟
وردت كلمة السلام في الأحاديث أكثر من 1132 مرة، وفي القرآن الكريم 10 مرات، بينما ذكرت الحرب ثلاثا فقط، وأكثر حتى من الجهاد فقد ذكر الجهاد 4 مرات فقط، ومن أسماء الله الحسنى «السلام» ولهذا يسمي المسلمون عبدالسلام وفي كل صلاة سلام عند ختامها وسلام في ذكرها «في التحيات»، ويرفق في ذكر الأنبياء والملائكة ذكر السلام فتقول: «جبريل عليه السلام وموسى عليه السلام وأول لقاء المسلمين بين بعضهم البعض يبدأ بذكر السلام، وأصل كلمة الإسلام نسبة الى السلام، فهذا الدين قائم أصلا على السلام مع الله ومع الذات ومع الآخرين ومع البيئة.
النهي عن قتل المسالم
وما معالم قيام الدولة لدى بني الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؟
نهى الإسلام عن قتل المسالم أو حتى من قال سلاما، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا) قال ابن عباس كان رجلا في غنيمة له فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك (تبتغون عرض الحياة الدنيا) رواه البخاري.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم انه لا جنة دون إيمان، ولا إيمان دون محبة وان دليل المحبة في إفشاء السلام كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» رواه مسلم وغيره.
كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه انه قال: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان، الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار» قال الإمام النووي رحمه الله: روى غير البخاري هذا الكلام مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم، وبذل السلام للعالم والسلام على من عرفت ومن لم تعرف وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد، ومن هذا الحديث تتبين معالم الحياة البشرية الكريمة في الدنيا وفي الآخرة التي خطها نبي البشرية صلى الله عليه وسلم.
الناس جميعا
وما المسائل التي ترتكز عليها معالم الحياة البشرية لدى النبي صلى الله عليه وسلم؟
أولها العموم فالتنمية يجب ان تعم ولا تخص فقوله «يا أيها الناس» واضح المعالم لم يخص في خطابه قبيلتي الأوس والخزرج رغم كونهما الغالبية الغالبة إذا كان من ضمن الموجودين آخرون من قبائل عربية أخرى خاصة أولئك الذين سبقوا قدومه من المهاجرين من مكة المكرمة وغيرهم ولم يخص المسلمين دون غيرهم إذا كان في المدينة المنورة يهود وغير مسلمين، بل ان راوي الحديث في وقته كان يهوديا من كبار علمائهم، ولم يخص العرب رغم ان كل الموجودين تقريبا كانوا عربا بما في ذلك المسيحيون واليهود، فكان الخطاب لكل الناس محترما فروقاتهم ومؤكدا على حقوقهم في العيش، كما ان هذا الخطاب شمل الرجال والنساء والكبار والصغار.
تدوير عجلة الاقتصاد
وثنى خطابه في معالم العمل للناس أي في التنمية في قوله «وأطعموا الطعام» اي لتدور عجلة التداول في الإطعام وهو تعبير بليغ عن التعاون في إنجاح الآخرين ومشاركتهم في نيل احتياجاتهم فالغني يساهم في إطعام الفقير، والفقير يأخذ من الغني وليس الإطعام فقط للفقراء بل كانت الرسالة جامعة في طرحها لم ينطق فيها المعلم صلى الله عليه وسلم بالصدقة أو التصدق بل الإطعام يكون كذلك حتى للأغنياء.
ولكن كيف تطعم الدولة غنيا؟
بتوفير الفرص له ودعم نجاحاته وتسهيل معاملاته ورفع معنوياته ومساعدته في تكبير خيراته لتعم نجاحاته آخرين وليقتدي به الآخرون والدولة تعطي الكل حتى الفقراء لكن لا تعلمهم التسكع والتسول بل تعلمهم الحياة الكريمة ولا يحصل ذلك إلا بتوفير الفرص الكريمة.
صلة الرحم
وماذا عن تقوية الأواصر الاجتماعية؟
شأشار النبي صلى الله عليه وسلم الى جانب الإصلاح بعد السياسة والاقتصاد وهو الجانب الاجتماعي حيث أشار اليه بقوله «وصلوا الأرحام» ومعروف لدى الاجتماعيين ان المجتمع يتكون من مؤسسات مدنية وتجارية وحكومية ومؤسسة الأسرة وهي المؤسسة الأصيلة وصلة الرحم تضمن تواصل شبكات المجتمع كأنها شبكة عنكبوتية متماسكة والمجتمع كله ملتصق ببعضه ويجب المحافظة على تماسكه.
حرية العبادة
كما حدد معالم التنمية مسألة العبادة الأصلية في الدين فأمر أتباعه ان يصلوا دينه الى حرية الآخرين في النوم وعدم الصلاة وهو أمر عميق في فكر هذا الرجل الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم ربط العقيدة في المسألة كلها ونبههم الى الآخرة وان كونهم يقومون بهذا العمل العام يعني فوزهم بالجنة ورضا الله بالطبع وقد بدأ بالسلام بقوله: «أفشوا السلام» وختم بالسلام بقوله: «تدخلوا الجنة بسلام» فالسلام بداية ونهاية كما كان يدعو صلى الله عليه وسلم «اللهم أنت السلام ومنك السلام»، ومن العجيب ان هذا الحديث يرويه ابن سلام.