من المسائل المهمة المتعلقة بموضوع عقيدتنا في القرآن الكريم، هي معرفة تاريخ جمع القرآن وتقييده وكتابته وحفظه، فقد مر القرآن الكريم من جهة جمعه بثلاث مراحل: «المرحلة الأولى جمعه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية جمعه في عهد الصديق رضي الله عنه، والثالثة جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه».
أما المرحلة الأولى: وهي جمعه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان في إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأصحابه، وأمره لهم بكتابته في الأدوات التي تيسرت لهم فكانوا يكتبون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ما ينزل عليه من القرآن في الرقاع وأكتاف الحيوان وهي العظام العريضة وفي اللخاف وهي الحجارة الرقيقة وفي غيرها.
وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب للوحي منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وخالد بن الوليد وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وغيرهم، وكان يقول لهم صلى الله عليه وسلم إذا نزلت الآية: ضعوا آية كذا في سورة كذا في موضع كذا، وكان صلى الله عليه وسلم يحثهم على كتابة القرآن كما جاء عنه في صحيح مسلم «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»، وكانوا رضي الله عنهم مع كتابتهم له، كانوا يحفظونه أيضا، وينبه هنا إلى أن الجمع الذي جمعه الصحابة لم يكن مرتب السور لتفرق المواد التي كانوا يكتبون بها، ولا يعني هذا أنهم كانوا يقرؤونه غير مرتب الآيات.
وأما الجمع الثاني: فقد كان في زمن الصديق رضي الله عنه وكان سببه أن كثيرا من حفاظ القرآن قتلوا في معركة اليمامة التي قاتل فيها الصحابة رضي الله عنهم المرتدين من بني حنيفة قوم مسيلمة، وكانت مقتلة عظيمة قتل فيها أكثر من خمسمائة حافظ للقرآن وقيل سبعمائة فخشي عمر رضي الله عنه أن يفنى القراء، ولا يبقى منهم أحد، فأشار على الصديق، فتردد في أول الأمر ثم شرح الله صدره لرأي عمر، فقرروا أن يجمعوا القرآن المتفرق في اللخاف والرقاع والأكتاف في مصحف واحد وبهذا حفظ الله كتابه بهذين الجبلين الشامخين الجليلين رضي الله عنهما ثم استدعيا زيد بن ثابت رضي الله عنه وأمراه بأن يجمع القرآن المتفرق في بيوت المسلمين فيجعله في مصحف واحد وتردد في أول الأمر لعظم الأمر، وكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله حتى قال رضي الله عنه فو الله لو كلفاني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمراني به من جمع القرآن فقلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فقام يجمع رضي الله عنه القرآن معتمدا في هذا الجمع على أمرين مهمين، الأول: الحفظ، والثاني: الكتابة، فلم يكن يعتمد على أحدهما دون الآخر، وهذا من المبالغة في التوثيق والاحتياط الشديد لأمر الدين فرضي الله عنهم أجمعين، قال على رضي الله عنه: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله.
وسنتحدث بإذن الله عن الجمع الثالث وهو الذي كان زمن عثمان رضي الله عنه.