- المسباح: هم مصابيح هادية وهم ورثة الأنبياء والهجـوم عليهم دليـل جهـل
- الطبطبائي: العلماء لا يشغلون أنفسهـم بالرد لأنهم مشغولون بنشـر نـور الله
شهدنا في الفترة الأخيرة تطاولا على علماء الإسلام الذين يحملون علما وأدبا وخلقا رفيعا ومنهم العالم الفقيه الذي يقدم الرأي مشفوعا بالدليل والفتوى مدعومة بالحجة فماذا يريد المتطاولون على هؤلاء القمم الاسلامية وأصحاب المكانة العلمية الشرعية التي لا تدانيها مكانة؟ هل الهدف تشويه صورتهم وزعزعة ثقة المسلمين بهم؟ وما هم ببالغي شيء من ذلك حتى ولو سلقوا هذه القمم بألسنة حداد، فالمسلمون جميعا يحيطون بهؤلاء الأعلام الرافعين لواء الدين الحنيف بما يناسب مقامهم العلمي من ثقة وإجلال فما هو الحكم الشرعي في التعرض والتطاول على علماء الدين؟
في البداية، شدد العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.محمد الطبطبائي على حرمة الطعن في علماء الدين فبين انه يحرم على المسلم الطعن بالمسلم بشكل عام، سواء كان عالما او من عامة المسلمين ويزداد الإثم اذا كان المطعون به من علماء المسلمين الذين امرنا باحترامهم وتقديرهم، سواء كانوا من الأحياء أو من الأموات قال تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) وقوله تعالى (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقال تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) وثبت في حديث البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل قال في حديثه القدسي: «من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب».
وقال د.الطبطبائي إن العلماء هم ورثة الأنبياء ولا عجب ان تبتلى القمم الاسلامية بمثل ما ابتليت به، وماداموا كذلك فإنهم سيتعرضون لما تعرض له الأنبياء من سفاهة السفهاء الممزوجة ألسنتهم بسموم الجهل إذ لا يهاجم العلماء إلا جاهل أو أحمق، والعلماء لا يشغلون أنفسهم بالرد على هذه السفاسف لأنهم مشغولون بنشر نور الله وإنارة البصائر والسرائر.
وزاد، ومن المحزن ان هؤلاء المتطاولين على القمم الاسلامية لا حظ لهم من المعرفة الشرعية، قال تعالى: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون).
جهل وشر
وأكد الداعية ناظم المسباح ان هذا يعتبر باب شر ينم عن الجهل، فهؤلاء المغتابون المجترئون على العلماء هم الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن من الناس مفاتيح للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» فكم صد أولئك عن الخير وفتحوا ابواب الشر بطعنهم في العلماء وغمزهم اياهم بالألفاظ النابيات، فياليتهم عقدوا مجالسهم للذكر والقرآن وتدبر السنة وعلم البيان، فما انتفعوا بما قالوا ولا نفعوا اخوانهم اذ وثقوا بهم.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموعة الفتاوى (28-15) «وليس للمعلمين ان يخربوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء، بل يكونوا مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى، وإذا وقع بين معلم ومعلم وبين معلم وتلميذ خصومة لم يجز لأحد ان يعين احدهما حتى يعلم الحق فلا يعاونه بجهل ولا بهوى».
أمر خطير
وأشار الداعية المسباح الى خطورة الطعن في المسلم، فقال فلما كان الكلام في المسلم عظيم الخطورة وخيم العاقبة وجب التورع في الكلام عن المسلم عامة وعن اهل العلم خاصة، قال الامام النووي في رياض الصالحين تحت كتاب الامور المنهي عنها، «اعلم انه ينبغي لكل مكلف ان يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه من المصلحة فالسنة الامساك عنه لأنه ينجر الكلام المباح الى حرام او مكروه وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعدلها شيء». وأكد ان من يسلك هذا المسلك يدل على جهله والبعض قد يبرر التطاول بالأخطاء والاجتهادات التي قد يقعون فيها.
وبين أنه في حالة لو أخطأ احد العلماء ونحن نعلم ان كل انسان مهما علا شأنه فإنه يخطئ ويسهو ويغفل ولا قدسية لأحد مهما كان علمه وفقهه ولا يوجد بشر معصوم من الخطأ إلا الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك «كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر»، مشيرا الى ان الادب والاحترام مطلوبان وما من عالم إلا وله زلة وزلته مغفورة له، ومن حقنا ان نرد عليه بالدليل والبرهان وليس من الحق ان نتعدى على مكانته أو نسلك مسلكا احمق في الهجوم على العلماء الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فالعلماء هم ورثة الأنبياء. وقال، فالاختلاف في الرأي لا ينبغي ان يفسد الود وأن يصل بالهجوم على العلماء بأسلوب لا علاقة له بدين ولا شرع، بل نؤكد ان يقال ما هو إلا كقول الامام علي رضي الله عنه «كلمة حق اريد بها باطل» فإذا كان الخلاف على حكم فقهي بين العلماء فلنترك العلماء يتحاجون بالدليل وبالنص ولنتعلم منهم، لأن الله تعالى قد كرم العلماء وبوأهم مكانا عاليا ومن كرمه الله لا يمكن ان ننال منه بالطعن فيه. وأكد المسباح ان هذه حملة مدبرة يراد بها النيل من الإسلام وصرف الناس عنه وانها حملة للهدم لا للبناء وللفسوق لا للإيمان فالإسلام وعلماؤه قد تعرضوا لمثل هذه الحملات في عصور كثيرة وانتهت هذه الحملات بالفشل وأصحابها بالخزي وبقي الإسلام صرحا منيعا وبقي علماؤه مصابيح هادية ترمقهم الأجيال بعين الإكبار والإجلال.