نواصل عرض مقتطفات من الاعترافات التي أبداها بعض فلاسفة أوروبا وكبار كتاب وأحرار نقادها وكبار الباحثين بشأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فماذا قالوا؟!
رجل دولة
يقول مارسيل بوازار: «سبق أن كتب كل شيء عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها. والصورة التي خلفها محمد صلى الله عليه وسلم عن نفسه تبدو ـ حتى إن عمد إلى تشويهها ـ علمية في الحدود التي تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية».
«لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم على الصعيد التاريخي مبشرا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق».
«منذ استقر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة، غدت حياته جزءا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان منظما شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسدت المناخ الروحي للإسلام.. وكما يظهر التاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم قائدا عظيما ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بديبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به أي زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابد أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانا فوق مستوى البشر حقا، وأنه لابد أن يكون نبيا حقيقيا من أنبياء الله».
«لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا لا مصلحا اجتماعيا. وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات أساسية لاتزال آثارها ماثلة في المجتمع الإسلامي المعاصر».
«مما لا ريب فيه أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد اعتبر، بل كان في الواقع، ثائرا في النطاق الذي كان فيه كل نبي ثائرا بوصفه نبيا، أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه».
شخصية خارقة
يقول اينين دينيه: «إن الشخصية التي حملها محمد صلى الله عليه وسلم بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد».
«إن نبي الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى إلا بلاغة التنزيل الحكيم».
«.. إن سنة الرسول الغراء صلى الله عليه وسلم باقية إلى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص ديني تفيض به نفوس [مئات الملايين] من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة».
«كان النبي صلى الله عليه وسلم يعنى بنفسه عناية تامة، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال، وكان ينظر نفسه في المرآة.. ليتمشط أو ليسوي طيات عمامته.. وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن يرضي الخالق سبحانه وتعالى».
«لقد (دعا) عيسى عليه السلام إلى المساواة والأخوة، أما محمد صلى الله عليه وسلم فوفق إلى (تحقيق) المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته».
حد الإعجاز
يقول بلاشير: «إن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقية والوحيدة هي إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى عرب الحجاز في أوائل القرن السابع؟ إن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يبدو في القرآن إطلاقا، منعما عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع في نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هي حاجاتهم، وهو يصرح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فإن: (قل إنما أنا بشر مثلكم ـ الكهف: 110). وهو لم يتلق أي قدرة على صنع المعجزات، ولكنه انتخب ليكون منذرا ومبشرا للكافرين إن نجاح رسالته مرتبط إذن بقيمتها الإحيائية وإلى شكلها المنقطع النظير. ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم رغم ذلك، صاحب بيان ولا شاعرا، فإن الأخبار التي روت سيرته لم تحسن الاحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية، وثمة عوامل تحملنا على الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع، أو أنه تلقى من السماء فن ارتجال الشعر. وعندما قال عنه المكيون المشركون انه شاعر، أو حين عرضوا بأن مصدر الوحي جني معروف أزال الله عنه هذه التهمة: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ـ يس 69 ـ 70). وهكذا يطرح هذا الوحي البالغ جماله حد الإعجاز، الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية، كظاهرة لا علاقة لها بالفصاحة ولا الشعر».
أما عن انتصار الإسلام فثمة أسباب تداخلت وفي طليعتها القرآن والسنة وحالة الحجاز الدينية، ونصح وبيان وأمانة الرجل المرسل لإبلاغ الرسالة المنزلة عليه».