كان عثمان بن مظعون ينظر الى اخوانه المسلمي وهم يتعرضون لأذى قريش، وهو آمن في جوار الوليد بن المغيرة، فيتفطر قلبه حزنا، وألما. كان قلبه المؤمن ميدانا لمعركة نفسية مريرة، وكانت الأسئلة الحائرة تلح عليه فتؤرق عليه لياليه. كان يسائل نفسه: ما قيمة إسلامي وإيماني، وأنا آمن في جوار مشرك كافر، وإخواني يتعرضون للأذى والعذاب؟ ما قيمة إسلامي وإيماني، إن لم أدفع ثمن الجنة مثلما يدفعون، صبرا على العذاب، واحتسابا للأذى في سبيل الله؟ وكان لابد لعثمان بن مظعون ان يحسم الأمر، فينطلق الى الوليد بن المغيرة يقول له: يا أبا عبد شمس، اني قد رددت اليك جوارك. وتتملك الدهشة الوليد بن المغيرة، فيقترب من عثمان بن مظعون متوددا، يقول: ولم ترد اليّ جواري يا عثمان؟ لعله آذاك أحد من قومي بما يسوؤك؟ ويبتسم الرجل المؤمن وهو يجيب: يا أبا عبد شمس قد وفيت ذمتك، وما أذاني أحد وأنا في جوارك، ولكنني أرضى بجوار الله فلا حاجة لي بجوار أحد بعد اليوم. ويمضي عثمان والوليد الى منتدى قريش، فيقف عثمان وسطهم، ويصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، اني قد رددت الى الوليد بن المغيرة جواره، واني قد أحببت ألا استجير بغير الله. وكأن سفهاء قريش وغلمانها كانوا ينتظرون هذه الفرصة منذ زمن بعيد، فما مضت سويعات إلا وسفهاء قريش يحيطون بعثمان بن مظعون ينزلون به الأذى والعذاب، وتمتد يد آثمة فتدمي عينه. وأشفق الوليد بن المغيرة مما أصاب عثمان فيقترب منه ويقول: يا ابن أخي، قد كنت في ذمة منيعة، ولقد كانت عينك عما أصابها لغنية، وإن شئت فعد الى جواري فأحميك. ويبتسم الرجل المؤمن، وهو يجيب الوليد بن المغيرة: يا أبا عبد شمس، والله إن عيني الأخرى لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله، وإني الآن لفي جوار من هو أعز منك وأقدر ومضى عثمان بن مظعون، مع الركب المؤمن يدفع ثمن الجنة مثلما يدفعون صبرا على الأذى، واحتسابا للعذاب في سبيل الله رضي الله عنه.