لا أحد يعلم ما هو العمل الصالح الذي يقبله الله تعالى منا، ولا الثواب المترتب على هذا الصنيع، فرب عمل في اعيننا صغير وهو عند الله عظيم، ولعل قربة تقربت بها الى الله باخلاص ولم تذكرها ولا القيت لها بالا تكون سببا لاعتلائك اعلى درجات الجنة بمشيئته سبحانه وتعالى. واصدق واروع مثال على ذلك قصة الصحابي حارثة بن سراقة والتي لا يعلمها الكثير منا.
فيقول: هو حارثة بن سراقة بن الحارث من بني النجار لابيه سراقة بن الحارث الذي استشهد يوم حنين، وامه الربيع بنت النضر عمة انس بن مالك، اعتنق حارثة الاسلام صغيرا فتربى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وكان ايمانه خالصا ايضا. وكان حارثة شديد البر بأمه ذا علاقة متينة بها.
وكانت امه تحبه حبا شديدا، الا ان هذا الحب لم يمنعه ان يخرج الى بدر لنصرة دين الله فحب الايمان كان اقوى من كل المشاعر الاخرى، خرج حارثة الى بدر رغم حداثة سنه وقلة خبرته في القتال، ولما بدأت المعركة واخذ الجيشان موضعهما، وكان حارثة مع النظارة، فنزل الى الحوض الذي اتخذه المسلمون ليشرب الماء، فاذا بسهم ينطلق من كنانة حبان بن العرقة احد المشركين ليصيب حارثة فيستشهد في سبيل الله تعالى، ولما علمت ام حارثة باستشهاد ولدها اسرعت الى النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت وان كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فرد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم حارثة انها ليست بجنة واحدة، ولكنهاجنان كثيرة، وان ابنك اصاب الفردوس الاعلى، فصبرت الأم على فراق ولدها.
وضحكت وهي تقول: بخ بخ يا حارث، لا ابكي عليه ابدا، وعلى الرغم من ان البعض يستصغر ما قام به حارثة الذي لم يكن في وسط المعركة امام نحر العدو بل كان من بعيد في النظارة واستشهد وهو يشرب الماء من الحوض، الا انه اصاب اعلى الجنان في اشارة الى عظم وفضل اهل بدر، وان العمل الصالح ان صادف اخلاصا لم يكن له ثواب الا الجنة ولعل بره بأمه كان ايضا سبب ذلك.