يقول العالم أتين دينيه بعد ان أسلم وسمى نفسه ناصر الدين والمولود عام 1861 وقد أكمل تعليمه في فرنسا ثم قصد الجزائر وحج الى بيت الله الحرام عام 1928 وله الكثير من المؤلفات عن الإسلام: «ان الشخصية التي حملها محمد صلى الله عليه وسلم بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدا حتى انها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الابداع وأعطاها صفة الشيء الجديد.
ان نبي الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم يعتمد في اتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى الا بلاغة التنزيل الحكيم. ان سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الغراء باقية الى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص ديني تفيض به نفوس مئات الملايين من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعنى بنفسه عناية تامة، الى حد ان عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال، وكان ينظر نفسه في المرآة، ليتمشط او ليسوي طيات عمامته، وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري ان يروق الخالق سبحانه وتعالى. لقد دعا عيسى عليه السلام الى المساواة والاخوة، اما محمد صلى الله عليه وسلم فوفق الى تحقيق المساواة والاخوة بين المؤمنين أثناء حياته.
ان حدود هذا السفر لن تسمح لنا بأن نقدم لك جميع التفاصيل وجميع النواحي لحياة حافلة بالعظائم الى هذا الحد كما هو الشأن في حياة النبي محمد نبي المسلمين صلى الله عليه وسلم.
الحق اننا نرى من بين جميع الأنبياء الذين أسسوا ديانات، ان محمدا صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي استطاع ان يستغني عن مدد الخوارق والمعجزات المادية، معتمدا فقط على بداهة رسالته ووضوحها، وعلى بلاغة القرآن الإلهية، وان في استغناء محمد صلى الله عليه وسلم عن الخوارق والمعجزات لأكبر معجزة على الاطلاق.
ان في مرأى المؤمنين وفي أعمالهم لصورة تلمحها منعكسة من مآثر محمد صلى الله عليه وسلم وإذا كانت بالطبع باهتة بالقياس الى كمالاته العليا، فانها لا جدال في صحتها، هذا على حين تجد قياصرة روما مع دقة تماثيلهم لا يطالعنا منهم سوى قناع مزيف لوجوههم الجامدة تحت صورة من الخيلاء، ان صورهم تظل ميتة يعجز خيالنا عن ان يلمح لها شيئا من الحياة، وانه لبوحي هذه الحقيقة قامت برؤوسنا فكرة نشر لوحات في تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم تمثّل المآثر الدينية لأتباعه، وبعض صور من حياة العرب، وبعض مدن الحجاز الذي هو وطنه.حقا انه ليدهشني ان يرى بعض المستشرقين ان محمدا صلى الله عليه وسلم قد انتهز الفرصة فروى ورتب عمله للمستقبل بل قد ذهب بعضهم الى أبعد من ذلك فوسوس بأن محمدا صلى الله عليه وسلم ألّف في تلك الفترة القرآن كله!
أحقا لم يلاحظوا ان هذا الكتاب الإلهي خال من أي خطة سابقة على وجوده، مرسومة على نسق المناهج الانسانية، وان كل سورة من سوره منفصلة عن غيرها وخاصة بحادثة وقعت بعد الرسالة طيلة فترة تزيد على عشرين عاما، وانه من المستحيل على محمد صلى الله عليه وسلم ان يتوقع ذلك ويتنبأ له».