قليل من يدرك ان الدين أغلى من أي شيء حتى من البدن، وحتى هذه القلة لا ترتقي لمنزلة التطبيق العملي، فلا أحد يضحي بأي شيء من أجل الدين، لا وقت ولا جهد.
وليست تلك الساعات من الصيام، او تلك الدقائق لصلاة الليل بتضحية يقف المرء بعدها ليقول: أتعبت نفسي لك يا رب، فهذه فرائض قد كتبها الله على الصغير والكبير، اما ما يتميز به مسلم عن آخر فهو العمل والإخلاص فيه والذي لا يعلمه احد غير الله، ومن هؤلاء المخلصين أصحاب البذل والتضحية رافعي شعار دينك أغلى من بدنك، الصحابي الجليل عبدالله بن جحش ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو السيدة زينب بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أول أمير للمسلمين، حيث اختاره رسول الله أميرا على اول سرية بعثها لترصد عير قريش القادمة من الشام وتعرف أخبارها.
وفي غزوة أحد قدم عبدالله بن جحش أروع صور التضحية حيث وقف قبل المعركة مع سعد بن أبي وقاص يستعدان للحرب، وكل منهما يدعو ربه، فدعا سعد ربه ان يرزقه رجلا شديدا يقتله في سبيل الله ويأخذ غنيمته فأمن عبدالله على دعائه، ثم توجه الى ربه في دعاء خاشع قائلا: اللهم ارزقني رجلا شديدا حرده (بأسه) أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني (يقتلني) فيجدع (يقطع) أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا (يوم القيامة) قلت: من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت، وأمّن سعد على دعائه، ثم انطلقا الى ساحة القتال وقاتل عبدالله بن جحش حتى ان سيفه قد كسر من كثرة قتله للمشركين.
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجون نخلة ليتحول في يده الى سيف صارم، وبعد طول قتال يهجم عليه أبوالحكم بن الأخنس ويضربه بسيفه ضربة شديدة يخر على اثرها شهيدا، ثم قام هذا المشرك بقطع أنفه وأذنه وعلقهما بخيط في شجرة، ولذا سمي (المجدع في الله) اي المقطوع الأنف والأذن، ولما رآه سعد بن أبي وقاص على تلك الهيئة قال: لقد كانت دعوة عبدالله بن جحش خيرا من دعوتي، فقد استجاب الله لدعوته وأكرمه بالشهادة كما أكرم ابن خاله سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، وأوراهما رسول الله صلى الله عليه وسلم معا في قبر واحد ودموعه الطاهرة تروي ثراهما.