فقهه وروايته للحديث
كان الحسين رضي الله عنه عالما فقيها معدودا ضمن مفتي الصحابة، وقد عدّه الإمام ابن القيم الجوزية في «إعلام الموقعين عن رب العالمين» من فقهاء الصحابة المقلين في الفتيا.
وحال الحسين رضي الله عنه في الرواية كحاله في الفتيا، كان مقلا في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبيه علي رضي الله عنه وسائر الصحابة، شأنه في ذلك شأن كثير من الصحابة الذين لم يُعرفوا بكثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل ذلك يرجع في ظني الى أمرين:
أولهما: التورع عن الرواية: فقد كان كثير من الصحابة رضوان الله عليهم يتهيبون الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتورعون عنها خشية الغلط أو الوهم.
وقد ذكر الحافظ ابن عدي في «الكامل» تحت عنوان: «من كان منهم إذا حدث عنه فزع، وقال: أو كما قال، تحرجا من الزيادة» عن محمد قال: كان أنس قليل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فزع منه قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: كنت آتي ابن مسعود كل خميس فإذا قال: سمعت رسول الله انتفخت أوداجه ثم قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريب من ذلك، أو شبيه بذلك، أو كما قال.
وفي صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: «صحبت عبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيدالله والمقداد وسعدا رضي الله عنهم، فما سمعت احدا منهم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا اني سمعت طلحة يُحدث عن يوم أحد».
فلعل الحسين رضي الله عنه كان مقلا في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة لذلك.
الثاني: قصر فترة لقاء الحسين رضي الله عنه بجده صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرنا انه رضي الله عنه وُلد في السنة الرابعة من الهجرة، ويعني ذلك انه كان يبلغ من العمر حين تُوفي النبي صلى الله عليه وسلم قُرابة الـ 6 سنوات.
وعلماء الحديث يقبلون رواية الراوي إذا تحمل الرواية صغيرا بشرط كونه مميزا أو ان الرواية، وبالغا اثناء تأديتها، وليس هذا مرادنا من الإشارة الى قصر فترة لقاء الحسين رضي الله عنه بجده صلى الله عليه وسلم.
وانما المراد ان صغر السن مظنة قلة الرواية عادة، وان حفظ القرآن من الصغار ليس كتحمل الرواية، فإن حفظ القرآن في هذا العمر يُعتمد فيه على التلقين وكثرة ترديد الآيات دون اشتراط فهم معاني القرآن بخلاف حفظ الحديث الذي يُسمع مرة واحدة أو مرتين ويُعتمد فيه على حفظ الألفاظ وادراك المعنى الإجمالي منها على الأقل.
وقد عدّه الإمام ابن حزم في كتابه «أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد» من أصحاب الثمانية رضي الله عنهم اي: الذين رووا ثمانية أحاديث.
أما عن شيوخه في الرواية والرواة عنه، فيقول الحافظ ابن حجر: «روى عن جده وأبيه وأمه وخاله هند بن ابي هالة وعمر بن الخطاب وعنه اخوه الحسن وبنوه: علي وزيد، وسكينة وفاطمة، وابن ابنه: ابو جعفر الباقر، والشعبي وعكرمة، وكرز التيمي، وسنان بن أبي سنان الدؤلي، وعبدالله بن عمرو بن عثمان، والفرزدق وجماعة».
من كتاب «القول السديد في مسيرة الحسين الشهيد».