حين أرسلت قريش عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه ـ حين كان مشركا ـ الى النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفه عن العمرة، رأى من إجلال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وحرصهم على امتثال أمره عجبا، فرجع الى قريش وهو يحكي لهم ما أذهله وأثر في نفسه قائلا: «أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله ما رأيت ملكا قط يعظمه اصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله ان تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، واذا أمرهم ابتدروا أمره، واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون اليه النظر تعظيما له وانه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها..».
هؤلاء هم الصحابة كما رآهم أعداؤهم.. يحبون نبيهم صلى الله عليه وسلم ويجلونه ويمتثلون امره ويعظمونه.
لقد سمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو يثني الثناء العطر على سبطيه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وراقبوه وهو ينزل من على منبره خوفا عليهما من التعثر والسقوط، رأوه وهو يحنو عليهما ويظللهما بعطفه الأبوي، فماذا تراهم سيفعلون مع الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
يحكي لنا التاريخ قول الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «ارقبوا محمدا في أهل بيته»، وقوله هذا لا يحتاج الى بيان.
اما الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيروي عنه الزهري انه كسا أبناء الصحابة، ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين فبعث الى اليمن، فأتي بكسوة لهما فقال: الآن طابت نفسي.
وروى الواقدي ان عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما، لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل واحد خمسة آلاف.
وقال الذهبي: «روى جعفر بن محمد عن أبيه: ان عمر جعل للحسين مثل عطاء علي خمسة آلاف».
واما ابنه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فمعلوم نصحه للحسين رضي الله عنه قبل خروجه لأهل العراق، وقد قال له: «ان جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وانك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يريد منكم».
واما أبوهريرة رضي الله عنه فقد روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن ابي المهزم انه قال: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبوهريرة فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة فصلى عليهما، فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبوهريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا؟ قال أبوهريرة: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما اعلم لحملوك على رقابهم.
واما عمرو بن العاص رضي الله عنه، فمن مظاهر تقديره وإجلاله للحسين رضي الله عنه ما رواه ابن أبي شيبة عن الولدي بن العيزار قال: بينا عمرو بن العاص رضي الله عنه في ظل الكعبة اذ رأى الحسين بن علي مقبلا فقال: هذا أحب أهل الأرض الى أهل السماء.
واما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فكان يكرم الحسين ويجله، وكان الحسين يقبل جوائزه.
يقول الحافظ ابن كثير: «لما استقرت الخلافة لمعاوية، كان الحسين يتردد اليه مع اخيه الحسن فيكرمهما اكراما زائدا ويقول لهما: مرحبا وأهلا، ويعطيهما عطاء جزيلا، وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وانا ابن هند والله لا يعطيكماها احد قبلي ولا بعدي، فقال الحسين: والله لن تعطي أنت، ولا أحد قبلك، ولا بعدك رجلا أفضل منا. ولما توفي الحسن كان الحسين يفد الى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه.
وشكى معاوية مرة من شدة رد الحسين عليه، فقال له: «اكتب اليه كتابا تعيبه وأباه فيه، فقال: ما عسيت ان اقول فيه وفي أبيه الا ان اكذب، ومثلي لا يعيب أحدا بالباطل، وما عسيت ان اقول في حسين ولست أراه للعيب موضعا..».
وجل أهل البيت ممن عاصروا الحسن والحسين رضي الله عنهما كانوا يكرمونهما فقد روى ابن عساكر بسنده عن مدرك بن عمارة قال: «رأيت ابن عباس آخذا بركاب الحسن والحسين، فقيل له: أتأخذ بركابهما وأنت أسن منها؟ فقال: ان هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوليس من سعادتي ان آخذ بركابهما».