يقول هنري سيروي: «ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيهم أيضا المدنية والأدب».
«محمد صلى الله عليه وسلم شخصية تاريخية حقة، فلولاه ما استطاع الإسلام أن يمتد ويزداد، ولم يتوان في ترديد أنه بشر مثل الآخرين مآله الموت، وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله عز وجل. وقبل مماته أراد أن يطهر ضميره من كل هفوة أتاها فوقف على المنبر مخاطبا: أيها المسلمون، إذا كنت قد ضربت أحدا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره، أو سلبته مالا فمالي ملكه. فوقف رجل معلنا أنه يدينه بثلاثة دراهم، فرد الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: أن يشعر الإنسان بالخجل في دنياه خير من آخرته. ودفع للرجل دينه في التو. وهذا التذوق والإحساس البالغ لفهم محمد صلى الله عليه وسلم لدوره كنبي يرينا بأن (رينان) كان على غير حق في نعته العرب قبل الإسلام بأنهم أمة كانت تحيا بين براثين الجهل والخرافات».
«إن المحاولة الإسلامية في التاريخ ذات أثر كبير، والعبقرية العربية تجد
في محمد صلى الله عليه وسلم منشئا لحضارة التوحيد التي تعتبر ذات
أهمية كبيرة، إذا فكرنا
في القيمة الفلسفية للتوحيد، وفي تفوقها الكبير الذي
جعل كل الشعوب الآرية تمارس أفكار تلكم الفلسفة. وهذه الثروة الروحية الغزيرة في الأمة العربية، راجعة إلى الغريزة النبوية والتي تعد واضحة لدى الشعوب السامية، فاليهود الذين يستطيعون الفخر بأنبيائهم الكبار، يقرون بأن روح النبوة قد اختفت لديهم بعد هدم معبدهم الثاني، وهذا ما يفسر بمعنى أكيد العداوة العنيفة والكثيرة التكرار في القرآن بالنسبة إليهم».
«.. إن الحضارة الفكرية الذهنية الحقيقية لم تظهر وتوجد ـ لدى العرب ـ إلا عند وصول محمد صلى الله عليه وسلم».