الحاكم الظالم
إذا كان حاكم الدولة ظالما يضيق على المسلمين، ويسجنهم بتهم مفتعلة، هل يجوز ذكر هذا الظالم في المجالس وتفسيقه وهل يعتبر ذلك من الغيبة المحرمة، وهل يجوز أن نلعنه فنقول: اللهم العن فلان ابن فلان ويقصد الحاكم؟
٭ الظلم يجب رفعه عن المسلمين وعن غيرهم، والظلم ظلمات، وليس شيء أشد على النفس من الظلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» مسلم 2578، ومن عجز عن رفع الظلم بيده، أو قدر ولكنه سيؤدي الى فساد كبير أو سفك للدماء المصونة فيحتمل الظلم درءا لما هو أعظم منه. ويستعان على الظالم حينئذ بالدعاء، وهو سلاح ماحق، لأنك تفوض أمرك الى صاحب الأمر، ودعاء المظلوم في جوف الليل لا يرده عن الله شيء، وسهام الليل لا تخطئ. أما الكلام فيه وفضح مساوئ الظالم فليس من الغيبة في شيء، بل هو مطلوب ومستحب ليحذر الناس ظلمه وفسقه، وقد نص الفقهاء على أن الظالم والمعلن بفسقه المجاهر به ليست له غيبة. وقد قال تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما ـ النساء: 148) ومعنى الآية أن الله لا يؤاخذ بالجهر بالإخبار عن ظلم الظالم ودعائه عليه بالسر والعلن. وقد روى ابن عبد البر قول النبي صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا غيبة فيهم: الفاسق المعلن بفسقه، وشارب الخمر، والسلطان الجائر».
أما خصوصية اللعن فإن الفقهاء مختلفون في حكم لعن المسلم الفاسق أو الظالم، ولعل الراجح عدم جواز لعنه لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بشارب خمر مرارا فقال بعض من حضره، اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله» البخاري 12/75، وهذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وقول عند المالكية. وقال بعض الفقهاء يجوز لعنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الركوع يدعو «اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب» البخاري 9/226، وكذلك لا يجوز لعن غير المسلم المعين، لأنه لا يعلم حاله عند الوفاة، فقد يموت مسلما، قال تعالى (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ـ البقرة: 161)، وقال بعض الفقهاء يجوز لعنهم. ولكن لا خلاف في جواز لعن الأشخاص غير المعينين كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة وغيرهما.
وأرى أن ما سبق من فضح الظالم أو لعنه يختلف الحكم فيه بين الحاكم الظالم والشخص العادي، فإن للحاكم خصوصية فإنه وان كان داخلا في الأصل فيما ذكرنا لكن اذا كان ذلك سيؤدي الى فتنة واضطراب أحوال المسلمين فإنه يمنع وتقدير ذلك الى أهل العلم والسياسة فتجب استشارتهم حينئذ.
الاهتمام بأمور المسلمين
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» ونحن نرى أحوال المسلمين المنكوبين في أماكن كثيرة من العالم فما هو مقدار الاهتمام المطلوب منا كمسلمين عاديين لا نملك غير قليل من المال ندفعه؟
٭ الاهتمام المطلوب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم مطلوب من كل مسلم ويعبر عنه بالقدر والطريقة التي يستطيعها، فاهتمام الحاكم المسلم غير اهتمام الرجل العادي لكن الكل ينبغي أن يعلن رفضه لكل ما يقع على المسلمين من أذى أعدائهم، وأن ينصرهم بما يستطيع، ولا شك أن أحوال المسلمين اليوم في كثير من البقاع تستثير عاطفة وإيمان المسلم فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله ومازالت والحمد لله النصرة والعواطف موجودة جياشة تحتاج إلى من يستثيرها لتترجم إلى واقع حي فكم من المسلمين من يبذل من أمواله الشيء الكثير وكم منهم من يبذل جهده وعطاءه بذاته ونفسه فيشارك المسلمين الوقوف معهم في صف واحد أمام أعدائهم كما فعل كثير من شباب المسلمين، وارتوت أرض تلك الديار بدماء المسلمين من شتى البقاع، فالاهتمام موجود لكن التعبير عن هذا الاهتمام قد لا يتكافأ في كثير من الأحيان مع ما ينبغي أن يكون فيحول بين العطاء والبذل في شتى صوره عوائق قد لا تكون في كثير من الأحيان بقدرة المسلم تذليلها وهذا هو محل التقصير فيمن يستطيع أن يذلل هذه العقبات ولا يفعل.
جنون المدين
أطالب شخصا بمبلغ كبير من المال كان قد اقترضه مني وهو قريب وصديق ولكنه مرض مرضا شديدا حتى فقد عقله فهل يحق لي المطالبة بالدين واتسلمه فورا أو أنتظر لحين موعد سداد الدين بعد حوالي سنة؟
٭ إذا جن من عليه الدين المؤجل أو من له الدين، يرى الحنفية والشافعية والحنابلة جنون المدين لا يوجب حلول الدين عليه لإمكان التحصيل عند حلول الأجل بواسطة وليه، فالأجل باق، ولصاحب الحق عند حلول الأجل مطالبة وليه بماله، ولأن الأجل حق للمجنون فلا يسقط بجنونه كسائر حقوقه، ولأنه لا يوجب حلول ما له قبل الغير، فلا يوجب حلول ما عليه، وأما المالكية فقد نصوا على أن الدين المؤجل يحل بالفلس والموت ما لم يشترط المدين عدم حلوله بهما وما لم يقتل الدائن المدين عمدا، ولم ينصوا على الجنون معهما مما يدل على أن الجنون عندهم لا يحل الدين المؤجل.
الأموال المصادرة
ما حكم الأموال المصادرة بشكل بضائع للباعة المتجولين أو أصحاب البسطات ونحوهم، وحكم تسلمها لتوزيعها على المحتاجين؟
٭ أخذ المال بأي صورة كان نقدا أو عينا، هو من باب التعزير بأخذ المال وهو محل خلاف بين الفقهاء، فالحنفية والشافعية والحنابلة لا يجيزونه لأنه لم يرد في الشرع شيء في هذا، ومذهب المالكية جوازه، وبه قال ابن تيمية وابن القيم، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكسر دنان الخمر، وأمر عبدالله بن عمر بحرق ثوبين معصفرين.
والذي نرجحه هو قول الجمهور، لأن هذه الأموال فيها شبهة ظلم وشبهة غصب، فهي تقع على فقراء ربما حرموا من فتح محلات لسبب ما، ولم توفر لهم الدولة سبل العيش، وربما بضغط من أصحاب المحلات الميسورين. وعلى ذلك فهذه الأموال فيها شبهة غصب وظلم، فيمنع الاستفادة منها، ويمنع تسلمها، إلا في حالتين: إذا علم صاحبها وأذن بتوزيعها، والأصل أن ترد عليه. وإذا تم تسلمها فعلا، وجهل أصحابها، وخيف تلفها، فتوزع على مستحقيها.