النهر الماحي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: «لا يبقى من درنه شيء». قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» متفق عليه.
مقصد الحديث بيان فضل الصلوات الخمس وأثرها في سلوك الإنسان ومكانتها في صحيفة أعماله بأنها تكفر الخطايا، وإذا كانت تكفر الخطايا فإنها تبعد النفس عن المآثم، ضرورة التنافي بين المحافظة على الصلاة وبين ارتكاب الآثام.
وقد عبر الحديث عن هذا المعنى في صورة حسية عرضها على السامع، هي صورة الاغتسال خمس مرات كل يوم وأثره في النظافة من الوسخ.
يمهد الحديث لهذه الصورة الحسية بهذا الاستخبار «أرأيتم لو أن نهرا».. فاختار هذا التركيب ليحضر الصورة أمام المخاطب يراها أمامه في خياله، وصاغ الإخبار بهذه الصيغة الاستفهامية ليحرك فكر السامع ويستثير انتباهه، فإذا بالقضية قد فكر فيها وحققها فكان الجواب ما تضمنه الاستفهام نفسه، وهو الموافقة: «لا يبقى من درنه شيء». وهكذا أخرج النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصورة الحسية بأقوى أسلوب وكأنه يقول: «الأمر واضح مرئي للعين فأخبروني عما سألتكم، وبذلك أثار الانتباه إثارة عظيمة بهذا الأسلوب الذي لاءم ذلك القصد ملاءمة تامة، ثم ألقى إليهم المقصد الذي يكنه ويرمي إليه من ذلك التمهيد الأخاذ.
وهذا أسلوب تربوي ناجح عظيم الأثر في النفوس، والمربي يجب أن ينوع طرقه في التعليم، ويلون أساليبه في الأداء، فيخبر أحيانا، ويستفهم أخرى، ويستعمل الإنشاء ثالثة بمعناه الحقيقي والمجازي.
هذه التقدمة أعدت نفوسنا وأثارت الانتباه جدا، وانها لتمهيد إقناعي، هيأ النفس لتقبل ذلك المعنى العقلي الصرف، وهو أيضا في الوقت نفسه معنى غيبي لا يعلم إلا بطريق الوحي من الله تعالى.
ولعل الحديث الشريف لحظ ما قد يحدثه المعنى المجرد «تكفير الصلاة للخطايا» من استغراب عند البعض الذين لم يعرفوا معنى إقامة الصلاة في حقيقة حضورها وخشوعها وإن عرفوا أداء شكل الصلاة وفعل حركاتها فقط، لكن هؤلاء لم يفقهوا معنى الحديث ولا حقيقة الصلاة، إن الصلاة التي تمحو الخطايا هي التي نستطيع أن نقول لصاحبها: إنه أقامها فعلا وحقا بما يتضمنه هذا الإطلاق القرآني: (أقيموا الصلاة...) من معان عالية في أدائها.
الأمل والأجل
لا يوجد إنسان سوي يعيش دون أمل يتطلع اليه ويسعى لتحقيقه، إن هذا ينافي فطرة الإنسان ونفسيته، وطبيعة دوره على هذه الأرض، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود «أصدق الأسماء حارث وهمام» لأن هذا الوصف هو الموافق لطبيعة الإنسان، فكل إنسان لا يخلو من كسب وهم، وأمان وآمال، وهذه الأماني والآمال، لا تنتهي مادام المرء على قيد الحياة، لكن إذا استرسل العبد في آماله، واستسلم لأحلامه، نسي الآخرة، وأحب البقاء والخلود في الدنيا، وكره كل ما من شأنه أن يحول بينه وبين تحقيق تلك الآمال، ومن أجل ذلك جاءت النصوص الشرعية، وكلام السلف وعلماء السلوك، محذرة من طول الأمل ونسيان الأجل، والركون إلى الدنيا، قال الله عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم في شأن الكافرين: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ـ الحجر:3)، أي دعهم يشتغلوا بدنياهم، ويتوقعوا طول الأعمار، وتلههم الآمال والأماني، عن الاستعداد للقاء الله، والعمل لما بعد الموت، فسيعلمون سوء صنيعهم إذا باغتهم الأجل، وعاينوا الجزاء على أعمالهم، وقد ضرب نبينا صلى الله عليه وسلم الأمثال لقضية الأمل والأجل في أحاديث كثيرة، منها ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: «هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا» رواه البخاري.
البخيل والمنفق
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثديهما الى تراقيهما. اما المنفق فلا ينفق الا سبغت ـ أو وفرت ـ على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو اثره. واما البخيل فلا يريد ان ينفق شيئا الا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع».