- المذكور: إذا كانت الواسطة أو الشفاعة فيها ظلم لأحد أو انتقاص لحق لا تجوز بل هي شر
- الشريف: الشفاعة إلى ولاة الأمور مستحبة إن كانت في حاجة المسلمين
- المشعان: الإعلام يلعب دوراً مهماً في تشكيل السلوك فلابد من استغلاله في محاربة المحسوبية
- الحمر: ظواهر سلبية تؤدي إلى ضياع الكفاءات وإعاقة العمل وتؤدي إلى الإحباط والكراهية
قال صلى الله عليه وسلم «إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة»، فالواسطة تضيع الحق وتظلم المستحق بل هي اغتصاب فعلي لحقوق الآخرين الذين لا يتمتعون بصلات مع أحد الكبار تمكنهم من الحصول على حقوقهم المسلوبة ولو كانوا أحق من الذين سلبوهم، بسبب هذا السرطان الاجتماعي الذي يعمل على تهميش صاحب الخبرات ويجعل الإنسان المتفوق مصابا بالإحباط وخيبة الأمل.
هل تجوز الواسطة؟ يجيب رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية د.خالد المذكور بقوله: هذا السؤال على إطلاقه يحتاج إلى تفصيل، قد تكون كلمة «واسطة» غير مقبولة لأنها أخذت معنى غير طيب، والكلمة الشرعية المقبولة هي الشفاعة وهي تحمل نفس المعنى، يقول تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا) معنى هذا الآن أن من يسعى في أمر ويترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك ومن يسعى في أمر الشر فيكون عليه وزر من ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اشفعوا تؤجروا» من هذه الآية ومن هذا الحديث تبين أن الوساطة نوعان، نوع فيه ابتغاء وجه الله تعالى في جلب نفع للناس أو دفع ضر عنهم من غير ظلم أو انتقاص حق ولا معصية لله تعالى ولا لحد من حدود الله، كتفريج الكربات عن المكروبين، وقضاء الحاجات لأصحابها العاجزين عنها والحث على الصدقات للفقراء والمحتاجين، كذلك من الشفاعة الحسنة التوسط في تخفيف الدين عن المدينين.
من الذنوب الكبيرة
وأكد د.المذكور انه إذا كانت الشفاعة أو الواسطة فيها ظلم لأحد أو انتقاص لحق أحد لقرابة أو صداقة دون نظر إلى الدين والالتزام به فهذه لا تجوز بل فيها شر وغضب من الله سبحانه وتعالى خاصة إذا كانت هذه الوساطة تباع وتشترى بالرشوة أو بعرض من أعراض الدنيا فهي من الذنوب الكبيرة.
وعلى الكل مهما كانت مسؤوليته ومكانته أن يبتعد عما نهى الله عنه من هذه الأمور التي لا تجلب إلا الضرر.
وزاد وليعلم أنه إذا أخذ رشوة على وساطة فإن هذا المال الذي يعود عليه حرام ويتضرر منه ليس هو وحده وانما يتضرر منه أولاده وعائلته لأنه أطعمهم من حرام فيتعدى دونه إلى من يرعاهم، وتساءل: هل يحب أحد منا هذا، وفيه كذلك خيانة للأمانة التي ائتمن عليها جنبنا الله وإياكم هذه الموبقات.
مواقف خالدة
واستشهد د.المذكور ببعض مواقف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يعرف المحاباة ولم يرض المحسوبية ومن ذلك ما رواه عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما: أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل وذلك لأن أرض الزبير كانت هي الأقرب إلى الماء الذي يأتي من ذلك الشراج فأراد الأنصاري أن يسقي قبل الزبير فأبى عليه الزبير بل أراد منعها مطلقا من السقي فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله ان كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا زبير اسق حتى احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير: إني لأحسب نزلت هذه الآية في ذلك (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أولا أن يستوفي حقه كاملا وعندما لم يرض الخصم بذلك الحكم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أن يأخذ حقه كاملا، ومن الأدلة أيضا أن الإسلام يا يجامل أحدا على حساب الحق والحقيقة ما كان من موقف رسول صلى الله عليه وسلم عند موت عمه أبي طالب الذي دافع بكل ما يملك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات أبوطالب ولم ينطق بكلمة التوحيد وكان بجواره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: قلها يا عم استحل لك به الشفاعة فمات وهو يقول بل ملة عبدالمطلب فخرج صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: ما قالها، فقال له العباس بن عبدالمطلب: لقد قالها، فقال صلى الله عليه وسلم والله ما قالها ولا سمعتها، ولم يشارك في دفن عمه رغم حبه له وحرصه على إسلامه وأراد أن يستغفر لعمه بعد موته ومعه بعض أصحابه فنهاه الله عن الاستغفار له لأنه مات كافرا وأنزل الله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة في قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم).
الشفاعة قسمان
يقول العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.محمد عبدالغفار الشريف عن الواسطة وحكمها: يقول الله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) والشفاعة قسمان: شفاعة حسنة وشفاعة سيئة والشفاعة الحسنة هي أن يشفع الشفيع لإزالة ضرر أو رفع مظلمة عن مظلوم أو جر منفعة إلى مستحق ليس في جرها ضرر ولا ضرار، فهذه مرغوب فيها مأمور بها، قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وللشفيع نصيب من أجرها وثوابها قال تعالى (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) ويندرج فيها دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر الغيب.
أما الشفاعة السيئة فقال عنها هي أن يشفع في إسقاط حد بعد بلوغه السلطان أو هضم حق أو إعطائه لغير مستحقه وهو ما نهى الاسلام عنه لأنه تعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وللشفيع في هذا كفل من الإثم، قال تعالى (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) والضابط العام أن الشفاعة الحسنة هي ما كانت فيما استحسنه الشرع والسيئة فيما كرهه وحرمه.
وبين أن الشفاعة إلى ولاة الأمور ان كانت في حاجة المسلمين فهي مستحبة لقوله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة) الآية وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب».
إحباط وظيفي
وأشار د.عويد المشعان إلى أن الإحباط الوظيفي من المشاكل التي تواجه الشباب نفسيا لغياب السياسة الواضحة فيما يتعلق بالترقيات والأجور الناتجة عن المزاجية والواسطة في إعطاء من لا يستحق مناصب قيادية، وهناك آخرون مغيبون عن ذلك، أي ترك الصفوف الأولى لعديمي الكفاءة والخبرة، وهذا بدوره يخلق نوعا من الإحباط الوظيفي بعدم رغبة الشباب في العمل، أي ان التوظيف في قطاعات الدولة بات اجتهادات شخصية بلا استراتيجية، ولم ينل الخريجون الجدد اهتمام السلطتين، موضحا أن غياب سياسة التوظيف من الأمور التي تهدد مستقبل الشباب الكويتي.
مكافحة المحسوبية
وللحد من المحسوبية طالب د.المشعان بدراسة الظاهرة وتحليلها وحصر الأسباب والعوامل التي أدت إلى حدوثها وكل ذلك يتطلب إرادة صادقة وجادة في محاربة المحسوبية، كما أن الإعلام يلعب دورا مهما في تشكيل السلوك فلابد من استغلاله في مكافحة المحسوبية، وتحصين المواطنين ضد هذا السلوك المنحرف وذلك عن طريق التعاون بين جميع مكونات المجتمع للتصدي لهذا الخطر واضعين في الاعتبار الإفادة من التطور في عالم الإلكترونيات، وذلك لما تحققه من الحد من الفساد الإداري بأشكاله المختلفة من رشوة أو تزوير أو محسوبية وإنشاء وحدات متخصصة لمحاربة الفساد الإداري عموما والمحسوبية خصوصا يكون له أثر بالغ في القضاء عليها، وأكد على أهمية توعية المجتمع وتحصينه بتعزيز قيم النزاهة والأخلاقيات وتنمية ثقافة رفض ومقاومة المحسوبية والواسطة غير المشروعة وتفعيل دور المجتمع في مكافحة الفساد عامة.
ضياع الحقوق
ويضيف الباحث الشرعي سالم الحمر، ان من الظواهر السلبية في المجتمع الواسطة والمحاباة، منها التوقيع للحضور ثم الانصراف من العمل، واستخدام سيارة العمل لأغراض شخصية، والأعمال والممارسات التي يقوم بها من يستفيدون من مواقعهم أو وظائفهم أو سلطاتهم في منح الامتيازات لمعارفهم وأقاربهم أو من تربطهم مصلحة على حساب غيرهم من أصحاب الحقوق بغض النظر عن أحقيتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم، وهذا يلحق الضرر بالآخرين وفيه فساد محقق، وأيضا إسناد الوظائف المرموقة لأبناء شخصيات معينة لوظائف بعينها، وتكون النتيجة عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذه الظواهر آثارها سلبية على المجتمع وتؤدي إلى ضياع الكفاءات وإعاقة العمل وقلة الإنتاج، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى الإحباط والحقد والكراهية لمشاهدة الذين لم يحظوا بالمحسوبية والمحاباة من المظلومين أقرانهم ومن حولهم ممن نالوا الحظوة أو الجاه أو المكانة أو الوظيفة أو غير ذلك من الأمور وهم غير مؤهلين بل مؤهلهم الوحيد هو المسحوبية والوساطة وغياب المساواة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتقريب غير المختصين من صناع القرار، كما تجد من مظاهر تلك المسحوبية تحديد رواتب الموظفين وفق الانتماءات الفكرية أو الفئوية أو العلاقات الشخصية ولا يعود للتعليم والشهادة والكفاءة إنما يعود للواسطة والمسحوبية، وفي هذه الحالة أرى أن الشخص الذي يستخدم الواسطة من أجل الحصول على حق له اغتصبه غيره من دون وجه حق يكون عملا مشروعا لأنه يؤدي في النهاية إلى رفع مظلمة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الحل لهذه المشكلة؟ أعتقد أنه جاء الوقت لمحاسبة النفس والاعتراف بهذه المشكلة كواحدة من معوقات التنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي.
حكم الواسطة من أجل الحصول على وظيفة أو غيرها عند الشيخ ابن باز رحمه الله
أولا: إذا ترتب على توسط من شفع لك في الوظيفة حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها من جهة الكفاية العلمية التي تتعلق بها، والقدرة على تحمل أعبائها والنهوض بأعمالها مع الدقة في ذلك – فالشفاعة محرمة، لأنها ظلم لمن هو أحق بها، وظلم لأولي الأمر بسبب حرمانه من عمل الأكفاء وخدمتهم لهم، ومعونتهم إياهم على النهوض بمرفق من مرافق الحياة، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها، ويقوم بشؤونها في هذا الجانب على خير حال، ثم هي مع ذلك تولد الضغائن وظن السوء، ومفسدة للمجتمع.
جائزة
أما إذا لم يترتب على الواسطة ضياع حق لأحد أو نقصانه فهي جائزة، بل مرغب فيها شرعا، ويؤجر عليها الشفيع إن شاء الله، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء».
ثانيا: المدارس والمعاهد والجامعات مرافق عامة للأمة، يتعلمون فيها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ولا فضل لأحد من الأمة فيها على أحد منها إلا بمبررات أخرى غير الشفاعة، فإذا علم الشافع أنه يترتب على الشفاعة حرمان من هو أولى من جهة الأهلية أو السن أو الأسبقية في التقديم أو نحو ذلك كانت الواسطة ممنوعة، لما يترتب عليها من الظلم لمن حرم أو اضطر إلى مدارسة أبعد فناله تعب ليستريح غيره، ولما ينشأ عن ذلك من الضغائن وفساد المجتمع.