ليلى الشافعي
كانت المرأة في صدر الإسلام عند اعتناقها لدين الله تدافع عنه وتتحمل كل ما يفعله الكفار معها من تعذيب وإهانة حتى لو دفعت حياتها ثمنا لتمسكها بإيمانها، وخير نموذج لتلك المرأة سمية بنت خياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، ومما يذكر عنها أنها أمة حبشية لا تملك من دنياها شيئا وكانت تقوم بالخدمة في بيت مولاها الذي يأويها.
شاءت الأقدار أن يأتي ياسر بن عامر من اليمن إلى مكة للبحث عن أخيه الذي فقد وانقطعت أخباره منذ فترة، ولما حضر إلى مكة ارتبط بالمكان واستقر بها.
ولأن الوضع في مكة في هذا الزمن كان لا يسمح له بالإقامة وحده دون قوة وعزوة، فكان عليه أن يوطد علاقته بسيد من سادة قريش، يلتمس حمايته ويعيش في كنفه ليبعد عنه من أراده بسوء، فتحالف مع حذيفة سيد بني مخزوم.
وعندما حدث هذا التحالف وقعت عينا ياسر على سمية التي تعمل عند حذيفة فطلب الزواج بها ووقع ذلك الطلب رضا في نفس حذيفة فلبى له طلبه وتزوج ياسر منها، وانتقلت سمية إلى بيت زوجها الذي أعده لها، وقد ظللتها السعادة وأنجبا ابنيهما عمار وعبدالله.. ومات أبوحذيفة المخزومي مولى سمية، وتقدم العمر بها وكانت تتطلع إلى ولديها فترى فيهما الأمل والمستقبل.
وعند ظهور الإسلام دخل عمار بن ياسر الإسلام وتعلم مبادئه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار ابن الأرقم، ثم عرض على والديه الدين الجديد فأسلما ونطقا بالشهادة، وبذلك كانت سمية ثاني امرأة تدخل الإسلام.
وعندما انتشر خبر إسلام آل ياسر وعلم أبوجهل بالأمر ـ ولأنه جلاد قريش الفظ ـ قام بتعذيبهم، فكان أهل مكة يقيدونهم بالسلاسل ساعات في الحر الشديد والرمال الساخنة تلهب أجسادهم ودماؤهم تنزف تحت ضربات السياط، وصوت سمية يرتفع: أحد، أحد فرد صمد ويجيبها زوجها وهو يئن ويتوجع وأيضا ولدها عمار، وكان أبو جهل يتفنن في تعذيبها، فقد اغرق ولدها أمام عينيها في الماء ولكنها صمدت ولم تتزحزح عن موقفها، فكان يضغط عليها أكثر بتعذيب ابنها لكي تتراجع لتنقذ ولدها من هذا التعذيب ومع ذلك أبت، بل طالبت زوجها وابنها بالصبر والتحمل من أجل الدين الجديد مما جعل قريش تتحدث عن صبر هذه الأسرة وقوة إيمانها وصمودها وتحملها لهذا العذاب الأليم.
وقد حاول أبو جهل مساومتها على أن يعتقها هي وابنها في مقابل سب محمد وأن يعيبوا دينه ويعترفوا بأرباب قريش وأصنامها، فما كان من سمية عندما سمعت هذا العرض إلا أن سخرت منهم ومن أصنامهم وأنذرتهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، وتمنت لمحمد صلى الله عليه وسلم السلامة والتوفيق في دعوته.
ومرت الأيام والكفار يسومونهم سوء العذاب وهم متمسكون بدينهم، ومر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى الحديد في أيديهم، والحجارة على ظهورهم، فرفع وجهه إلى السماء وقال لهم: أبشروا آل ياسر واصبروا فإن موعدكم الجنة، فما كان من سمية إلا أن استبشرت وفرحت بهذه البشرى وظلت تشجع أسرتها على تحمل العذاب حتى ماتت وهي متمسكة بدينها، وبهذا أصبحت أول شهيدة في الإسلام.