بقلم: سيد عبدالله الرفاعي
قال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير- لقمان: 34).
(ويعلم ما في الأرحام) أي لا يعلم أحد إلا الله ما في الأرحام من خواص الجنين وأحواله العارضة له من طبائع وصفات وذكورة وأنوثة وتمام خلقته ونقصها، والله تعالى يختص بعلم ما في الأرحام وما في غيرها من كل ما يلاقيه الجنين من تطوراته الأولى ومراحل نموه المختلفة، ثم ما سيلقى في حياته بعد ذلك حين وجوده في الدنيا من سعادة أو شقاء ومن صحة أو مرض، ومن راحة أو تعب، وعلم الله- عز وجل- بذلك فوق علم الناس جميعا، فإن توصل العلماء بسبب التحليل الكيميائي إلى كون الجنين ذكرا أو أنثى، فلا يعني ذلك غيبا وإنما بواسطة التجربة، وتظل احوال أخرى كثيرة مجهولة للعلماء لا تعلم إلا بعد الولادة.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: وقد يعرف بطول التجارب اشياء من ذكورة الحمل وانوثته إلى غير ذلك.
ويقول الشيخ ابو بكر الجزائري: ما أدعى اليوم من انه بواسطة الآلات الحديثة قد عرف ما في رحم المرأة، فهذه المعرفة ليست داخله في قوله تعالى: (ويعلم ما في الأرحام) لأنها بمثابة من فتح البطن ونظر ما فيه فقال هو كذا، وذلك لوجود اشعة عاكسة، أما المنفي عن كل أحد إلا الله فهو أن يقول المرء: ان في بطن امرأة فلان ذكرا أو انثى ولا يقرب فيها ولا يجربها في ولادتها السابقة، ولا يحاول أن يعرف ما في بطنها بأية محاولة ـ أيسر التفاسير.
ومهما تقدم الإنسان في مجال العلم فعلمه محدود، فالله عز وجل وجده هو الذي يعلم علم اليقين ماذا في الأرحام في كل لحظة وفي كل طور حتى قبل أن يتكون الجنين فلا يستطيع العلماء والاطباء ان يعلموا نوع الحمل ذكرا أم أنثى من اللحظة الأولى لاتحاد الحيوان المنوي والبويضة، فهذا مما يختص به علم الله عز وجل.
أخرج البخاري عن انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد الله تعالى أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه فحينئذ يعلم بذلك الملك ومن شاء الله تعالى من خلقه عز وجل». (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) أي لا تعلم نفس ماذا تكسب في الغد من خير أو شر ونفع وضر ومن يسر وعسر ومن صحة ومرض ومن طاعة ومعصية، فالإنسان يقف عاجزا لا يستطيع ان يخترق هذه الأسرار المغلقة التي اختص بعلمها الله عز وجل.
ومع ان كل ما حدث للإنسان في علم الغيب الا اننا نرى البعض يقفون على أبواب الكهان والعرافين يسألونهم عن المستقبل ليقفوا على ما سيلقون من سعادة أو شقاء وهذا والله هو الجهل بعينه، وقد يكون من هؤلاء المخدوعين من حصل على أعلى الشهادات العلمية إلا أنهم أول ما يطلعون في الصحيفة يقرأون ما يسمي بالأبراج كبرج الدلو والحوت وغيرهما من الخرافات فيفرحون ويستبشرون إذا قرأوا ما يسعدهم ويحزنون ويتشاءمون إذا اقرأوا عكس ذلك، وهذا لعمري هو الجهل المركب، فرغم شهاداتهم العلمية فإنهم يتخبطون في ظلمات الجهل. ولقد انتشرت بين الناس هذه الخرافات والأكاذيب وراجت سوق الكذابين المخادعين الذين يخدعون السذج وضعاف العقول فيخبرونهم عن حياتهم المستقبلية عن طريق ضرب الودع وقراءة الفنجان، وقراءة الكف وتخطيط الرمل وما شابه ذلك من وسائل الكذب والخداع، ولو ان هؤلاء الكذابين المخادعين يعلمون الغيب كما يدعون لكانوا هم أول من يستفيد من ذلك، ولكن عملهم قائم على الكذب والخداع والدجل، فيجب أن نحذر منهم ونحاربهم ونكشف كذبهم وألاعيبهم ولا ننخدع بهذه الأمور السخيفة، فالإسلام دين العقل والعلم والعمل، والمسلم الحق لا يلجأ إلى مثل هذه الأعمال الباطلة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» رواه أحمد.
فمادام الإنسان رزقه وحياته ومماته ومستقبله وكل ما يحدث به بأمر الله تعالى وفي علم الله تعالى فلماذا نبحث عن مجهول؟ لأن هذه الأمور بالنسبة للإنسان مجهولة، فمهما حنكته التجارب وعركته الأيام فلن يعرف ما سيحدث له بعد لحظة.. فما بالك بما سيحدث له في المستقبل؟!
فيجب أن نتجنب هذه الأمور السخيفة وأن نسلم أمرنا لله فهو العليم الخبير، وانه لمن المضحك أن انسانا قد منّ الله عليه بالعقل يعتقد بأشياء تافهة مثل «الخرزة» التي قد يكون صنعها يهودي أو نصراني أو بوذي يتبارك بها أو بأوراق تلف وتربط على الذراع أو تعلق في العنق أو بصندوق صغير يعلق في السيارة أو قبور قد بليت عظام من فيها وصارت ترابا يرجو منها الشفاء.. أليس في هذه الأعمال مهانة للعقل؟!
إن العقل من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، فيجب أن نحترم عقولنا ونستخدمها فيما يرضي الله تعالى وما فيه خير الناس ورقيهم وسعادتهم لنفوز بخيري الدارين، الدنيا والآخرة.