- الشطي: الغيرة على الدين والعرض والشرف والكرامة صفات تحلّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
- البارون: القليل منها من علامات الحب وإياك والغيرة المرضية المدمرة للطرفين
- مختار: غيرة الزوجة تسبب ضغطاً نفسياً رهيباً على الزوج وتأثيرها سلبي
هل الغيرة تعبير عن الحب ام انها اسرع وسيلة للقضاء عليه؟ فالغيرة بداية طريق الشك والظن السيئ الذي اذا تمكن من الانسان نغص عليه حياته وحولها الى جحيم فأضر بنفسه وبشريكه في الحياة، ونجد كثيرا من الجرائم وحالات الطلاق تحدث كثيرا بسبب الغيرة الزوحية. طرحنا القضية على الدعاة واساتذة علم النفس والاجتماع لتحديد الخطوط الفاصلة بين الغيرة المعتدلة التي حث عليها الشرع حفاظا على الشرف والكرامة وحماية للاخلاق الاسلامية، والغيرة المدمرة للحياة الزوجية والعلاقات الاسرية لاعتمادها على الظنون والشكوك والاوهام.
يوضح الاستاذ بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.بسام الشطي الفرق بين الغيرة المحمودة والظن بين الزوجين فيقول: الغيرة موجودة في فطرة كل انسان وبخاصة عند الزوج والزوجة، والمنهي عنه هو الافراط فيها وترتيب حقائق على ظنون واوهام، وان كان للزوجة ان تغار على زوجها فليكن ذلك في اعتدال، واذا ناقشته فيما يدخل الشك على قلبه فليكن بأسلوب حكيم، فإن الحدة في المناقشة قد تؤدي الى العناد او قد تؤدي الى هدم الحياة الزوجية. يقول عبدالله بن جعفر لابنته: «اياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، واياك وكثرة العتب فإنه يورث البغضاء» والاسلام بوجه عام نهى عن التمسك بما لا يعلم حقيقته وعن المؤاخذة بالظن، فقال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا - الاسراء: 36).
وقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم- الحجرات: 12)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».
خلق إسلامي
اما عن الغيرة وحدودها وضوابطها الشرعية فيقول د.الشطي: هي خلق اسلامي ينبغي غرسه في ابنائنا وان نطبقه في حياتنا كلها لانه ضد السلبية واللامبالاة والبلادة، وكل هذه الصفات لا تليق بمسلم، فالغيرة على الدين والعرض والشرف والكرامة كانت صفة من الصفات الطيبة وخلقا من الاخلاق الحميدة التي كان يتحلى بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والغيرة كانت ولا تزال صفة من صفات المؤمنين الملتزمين بأخلاق الاسلام وآدابه، المحافظين على شرفهم وكرامتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى يغار والمؤمن يغار وغيرة الله تعالى ان يأتي الرجل المؤمن ما حُرم عليه».
ويذكر لنا د.الشطي ان من الصحابة الذين اشتهروا بالغيرة، عمر بن الخطاب رضي الله عنه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت في الجنة قصرا فقلت لمن هذا القصر؟ فقيل لعمر، فذكرت غيرتك يا عمر، فبكى عمر وقال: أعليك اغار يا رسول الله». وكان الحسن رضي الله عنه يقول: «أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الاسواق، قبح الله من لا يغار».
من علامات الحب
ويصف لنا استاذ علم النفس خضر البارون الغيرة الزوجية بأنها عادة ما تكون في العواطف والمشاعر والامور الاخلاقية، فالغيرة تعني رغبة المحب في الاستئثار والاستحواذ على من يحب دون ان يشاركه آخر في هذا الحب، وقليل من الغيرة هو علامة من علامات الحب، وبين ان المرأة اشد غيرة من الرجل لانها تشعر بجرح في كبريائها وانوثتها ولكن رد فعلها عادة ما يكون عدوانيا سلبيا يتمثل في المكائد والكيد والدسائس تجاه زوجها، فإذا ظهر من المرأة عدوان واضح نتيجة الغيرة فذلك ليس وليد اللحظة ولكنها تراكمات عبر مراحل عديدة، حينئذ يظهر العنف بصورة فجة تصل الى إلحاق الاذى البدني بالزوج، ولذلك يجب على الزوجة ان تلجأ الى اسلوب التفريغ الموقفي القائم على العتاب واللوم واظهار احساسها بالظلم الواقع عليها من قبل الزوج من خلال الفضفضة له حتى لا تصل الى مرحلة الانفجار الكلي المتمثل في أي شكل من اشكال العنف.
غيرة الرجل
اما غيرة الرجل اذا اشتدت فإنها قد تؤدي الى ايذاء الزوجة بضربها او بأي شكل آخر من أشكال الايذاء البدني الذي قد يصل أحيانا إلى حد القتل، ولابد هنا أن نفرق بين نوعين من الحب، الأول يقوم على التملك، وفيه يشعر الزوج بأن الزوجة امتداد لممتلكاته، ويزداد إحساس التملك كلما زادت الغيرة القاتلة. والثاني حب الكينونة حيث يحب الزوج زوجته باعتبارها كيانا منفصلا عنه لها شخصيتها المستقلة، ولكنها مكملة له، وهنا تصبح الغيرة رمزا للحب.
الغيرة المرضية
ويصف د. البارون الغيرة غير الطبيعية وهي الغيرة المرضية والتي تختلف عن الغيرة الطبيعية، إما في شدة مشاعر الغضب والعدوان أو من عدم وجود عوامل ترسبها في تصرفات شخص المحبوب أو الشخص المغار منه، والغيرة الطبيعية يتوقع حدوثها وانها مبنية على أساس تصرفات واقعية وقد ترتبط بحدث أو موقف معين وتظل ثابتة فقط في حالة استمرار سلوك المحبوب.
أما الغيرة المرضية فتتضمن الاعتقاد أو الشك في خيانة المحبوب دون أن يكون له أساس من الصحة ويترتب على سلوكيات الغيور غالبا مشاكل مع شخص المحبوب كالمشاجرات والضرب والكلام.
عوامل هدم
وعن العوامل التي تثير الغيرة عند الزوجة يقول استاذ علم الاجتماع د.هادي مختار: هناك عوامل كثيرة يمكن أن تثير الغيرة لدى الزوجة، فهناك العوامل الديموغرافية أو السكانية مثل فارق المستوى التعليمي وفارق العمر بين الزوجين، منصب الزوج، الدخل، عدد سنوات الزواج، وجود عقم لدى الزوجة. وهناك عوامل أخرى لها علاقة بالتنشئة الاجتماعية فبعض الآباء وبالأخص الأمهات ترى بناتها على وضع قيود على حياة الزوج وأن تحاول ان تجعله لا يغيب عن عينيها ولو للحظات، وأن تعرف أصدقاءه ومن يكلم في عمله...إلخ، وهذا يشعر الكثير من الازواج بالتعدي على مكانتهم واستقلاليتهم الشخصية.
الخيانة
وأضاف د.مختار أن هناك عاملا آخر يثير غيرة الزوجة أو شكها وهي الخيانة الزوجية فأقل شيء يحدث بسبب الخيانة هو الشك أو الغيرة من قبل الزوجة فهناك طلاق، وجريمة... الخ.
فن التعامل
وحول طريقة التعامل مع الزوجة الغيورة للحفاظ على حياة أسرية مستقرة قال د.مختار: على الزوج أن يتعامل مع الزوجة بطريقة خاصة فهو مطالب بأن يبرر بشكل مستمر أماكن تواجده واتصالاته مع الناس، بمعنى آخر يعطي تقريرا يوميا لنشاطه خلال اليوم، كذلك يجب ألا يقوم بأعمال تثير الغيرة والشك عند الزوجة الغيورة.
العلاج
وعن علاج المرأة الغيورة أكد د.هادي أن العلاج قد يأخذ اشكالا مختلفة حسب الحالة أو المرأة وحسب الموقف أو الوضع الذي تكون فيه هذه المرأة الغيورة، فهناك العلاج الذي يعتمد على تغيير القصور في التفكير كحسن الظن بالزوج ومعاملته كبريء حتى تثبت ادانته بشكل ملموس بتغير هذا القصور في التفكير سوف يغير المشاعر تجاه الزوج وبالتالي تغيير سلوكها، وهناك طريقة أخرى وهي وضع المرأة في مواقف مختلفة تتطلب الغيرة كأن يذهب الرجل لفترة من دون أن يتصل بها، أو في سفرة لمهمة رسمية قصيرة، بحيث تسيطر على انفعالاتها وبالتالي ترى بنفسها النتيجة، ففي كل الأحوال المرأة لا تستطيع فرض رقابة تامة على زوجها ليل نهار، فهي عملية مجهدة جدا وتأثيرها سلبي، والأساس في كل الأمور هو العدل الذي أمرنا الله به وهو الالتزام بطاعة الله سبحانه ففيه الخير والعلاج.