- النشمي: يوم الهجرة مبدأ ولادة أمة جديدة تمارس دوراً قيادياً وعلى المسلمين الاعتبار منها
- الخراز: حب الوطن هو حب الخير للأمة وإبعاد شبح الخلافات والنزاعات ولا تخرج الهجرة عن هذه المعاني
- الشطي: الهجرة النبوية أعطت درساً في تعليم الأجيال حب الأوطان والانتماء لها والدفاع عنها
تعتبر الهجرة النبوية الشريفة اهم حدث في تاريخ الإسلام بعد نزول الوحي، حيث أدت الهجرة الى بناء الدولة الإسلامية وانطلاق الدعوة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، هذه الهجرة التي تعلمنا الدروس في مجال العقيدة والأخلاق والقيم والعبادات والمعاملات وكذلك في الارتباط بالوطن وحبه والدفاع عن ارضه ومقدساته وتحقيق المواطنة.
وهذا ما يؤكده علماء الشريعة.
أكد رئيس رابطة علماء الشريعة لدول مجلس التعاون الخليجي والعميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.عجيل النشمي أن يوم الهجرة هو مبدأ ولادة أمة جديدة تمارس دورا قياديا في الأرض وأن اختيار المسلمين هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لبداية تاريخهم بعد نظر ونفاذ بصيرة.
ووصف د.النشمي يوم الهجرة النبوية الشريفة بانه مبدأ ولادة امة جديدة تمارس دورا قياديا في الارض وان واجب المسلمين ان يتذكروا تاريخهم ويأخذوا منه العبرة.
وقال ان واجب المسلمين كما هو واجب كل امة لها تاريخ ان تتذكر تاريخها وتأخذ العبرة منه وتجدد ما كان فيه من خير وصلاح، فإن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاله من ارض الى ارض حدث كان له في حياة الاسلام والمسلمين الأثر البليغ فاختار المسلمون يوم الهجرة مبدأ لولادة امة جديدة تمارس دورا قياديا في ارض الناس على مر التاريخ وتوالي ايامه ولياليه، فلا بد من معنى كبير ومغزى عميق يكمن وراء ذلك.
وزاد: نعم انه مغزى كبير يتناسب ومهمة الامة الاسلامية الناشئة الجديدة، فمما لا شك فيه ان احداثا كثيرة كبيرة مرت على المسلمين قبل الهجرة وبعدها، والنبي صلى الله عليه وسلم يصنع الصحابة على عينه، يصنعهم بالمنهج العقيدي والتربوي، يصنعهم بالموقف العملي والجهادي، ومن خلال تلك المعاناة تمر على الصحابة رضوان الله عليهم الاحداث تلو الاحداث حتى كبر جسم الدعوة وامتدت دولة الاسلام شامخة قوية، واصبح الاسلام ثقل العالم ووجه حضارته وتقدمه، واصبح هو المؤهل الوحيد لريادة الناس وتعبيدهم لله عز وجل ونبذ ما سواه، وما التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلى حتى بنى الدولة وأكمل الدين.
التاريخ الإنساني
وبين د.النشمي ان خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تنبه المسلمين الى قضية مهمة لدولة اصبحت تصنع التاريخ الانساني وتؤثر فيه بعمق، لا بد ان يكون لهذه الدولة بداية تبني عليها اسسها التاريخية وتسطره للأجيال اللاحقة حتى يرث الله الارض ومن عليها، فجمع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه باعتباره خليفة المسلمين الصحابة واستشارهم في بدء التاريخ متى يبدأ تاريخنا؟ وما الحدث المهم والعلم الشاخص الذي يتناسب وهذا الاسلام؟ فأشار الصحابة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان يؤرخ تاريخهم بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الاختيار ان دل على شيء فإنما يدل على بعد نظر ونفاذ بصيرة، وتفاعل حقيقي مع احداث الدعوة منذ بدأها النبي صلى الله عليه وسلم، لقد مرت على المسلمين احداث كبيرة وكثيرة كانت كفيلة بالنظر القريب، وان تشد اليها عواطف المسلمين ويكون تأثيرها في احاسيسهم ومشاعرهم حيا نابضا، كان بامكان المسلمين ان يؤرخوا بداية دعوتهم وتاريخهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حدث لا يدانيه حدث وبشارة عمت الدنيا بأسرها وتحركت مظاهر الكون لها.
ومازال د.النشمي يذكر لنا اهتمام الصحابة بالتوقيت الهجري لأهميته، فيقول: ولعل الصحابة ادركوا واستنبطوا توقيت تاريخهم بالهجرة من قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون ان يتطهروا)، ففهموا من قوله تعالى (من اول يوم) ان ذلك اليوم يوم تأسيس اول مسجد وهو ما ينبغي ان يكون اول ايام التاريخ الذي يؤرخون به تواجدهم، وهذا استنباط دقيق سليم من قوله تعالى (من اول يوم) لا يمكن ان يكون إلا مضافا كما اذا قلت فعلته اول يوم لا يعقل الا ان يكون مضافا الى علم معلوم او شهر معلوم او تاريخ معلوم، وليس ههنا اضافة في المعنى الا الى هذا التاريخ يوم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو التاريخ المعلوم لعدم القرائن الدالة على غيره، من قرينة لفظ او قرينة حال ولذلك لما سمع عمر رضي الله عنه رأي الصحابة ودليلهم قال: نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل، ومن هنا ارتبط تاريخ المسلمين بدولتهم وفي هذا اشارة الى ان عند المسلمين دولتهم ووجودهم الحقيقي مربوط بوجودها، وبالتالي فإن زوالها انقطاع لحبل تاريخهم الذي لا يكون لهم عزة ولا منعة الا بوصلة، اذن لا انفصام بين الدين كعبادة والسياسة كحكم، فهذا المفهوم الشامل للإسلام هو الذي عناه الصحابة في لفتتهم الدقيقة وفقههم السليم، فالاسلام دين ودولة وعبادة وسياسة وروحانية وفروسية، هكذا فهم الصحابة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيد نظرتهم هذه كل التأييد ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من اعمال بالغة الاهمية حينما وطئت قدمه الشريفة ارض المدينة.
دليل الهجرة
اختيار النبي صلى الله عليه وسلم والصديق أبي بكر رضي الله عنه لعبدالله بن أريقط الديلمي، وهو رجل من كفار قريش، ليكون دليلهما في الطريق الى المدينة يدل على حسن الاختيار، لأن ابن أريقط قد سلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه طريق الساحل، الامر الذي لم يرد على خاطر قريش اذ لم يكن طريقا مألوفا في ذلك الحين.
الإذن بالهجرة
جاء امر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة الى المدينة عندما نزل قوله تعالى: (وقل رب ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا الاسراء: 80)، قال بعض المفسرين مخرج صدق: هو مكة، ومدخل صدق: المدينة، وسلطانا نصيرا اي انصاره.
ويروى ان الصديق ابا بكر كان ينوي الهجرة الى المدينة مع من هاجر من المسلمين، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال له صلى الله عليه وسلم: «على رسلك (مهلك) فإني ارجو ان يؤذن لي»، فاندهش ابوبكر رضي الله عنه وقال: هل ترجو ذلك بأبي وأمي انت؟ (اي هل تتمنى ذلك؟)، قال: «نعم»، فانتظر ابوبكر حتى يأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة ليكون معه رفيقا، وظل يعلف راحلتين مدة اربعة اشهر، وذات يوم كان ابوبكر جالسا في بيته وقت الظهيرة ففوجئ برسول الله صلى الله عليه وسلم يطرق عليه الباب وكان لا يأتيه الا في الصباح او المساء، فقال ابوبكر: والله ما جاء رسول الله في هذا الوقت إلا لأمر مهم، ودخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجلس معه وكانا بمفردهما واخبره ان الله اذن في الهجرة لرسوله صلى الله عليه وسلم فقال ابوبكر رضي الله عنه: الصحبة يا رسول الله.
المواطنة
الامام والخطيب بوزارة الاوقاف الشيخ خالد الخراز يحدثنا عن الهجرة النبوية ودعائم المواطنة المتمثلة بها فيقول: فطر الله سبحانه الانسان علّى امور عديدة منها حب المرء اهله واولاده واصحابه وماله، وكذلك وطنه الذي عاش فيه وترعرع في اكنافه، فحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس تجعل المرء يستريح في البقاء فيه، ويحن اليه اذا سافر لو غاب عنه، ويدافع عنه اذ هوجم، ويغضب اذا انتقص منه.
واضاف: والمواطنة في حب الوطن الذي يترجم بشكل عفوي الى سلوك ايجابي تجاهه من حيث خدمته والدفاع عنه، وقد كرست الهجرة النبوية هذا الشعور النبيل كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما اطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولو أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» رواه الترمذي (2926) وصححه الالباني هذا الخطاب لمكة بعد ان اخرجه اهلها منها.
ولولا اخراجهم اياه ابقي فيها، لذلك وعده رب العزة سبحانه وتعالى بالعودة اليها كما قال سبحانه: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد).
واجب
وزاد، وعن أقوال المفسرين ان ذلك الوعد بالفتح المبين الذي حصل فيما بعد هو فتح مكة، كما نجد ان فرضية جهاد الدفع عن الوطن والمال والدين واجب كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله أو دون ذمة أو دون دينه فهو شهيد».
وقال تعالى: (وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين).
وعن ابي هريرة قال: جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ان جاء رجل يريد اخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار»، وهذه النصوص وغيرها تؤكد للمرء ضرورة الدفاع عن الوطن فهو الملاذ بعد الله فيه يعيش المرء وفيه أمنه وأهله ورزقه.
عزيزة في النفوس
واكد الداعية الخراز ان حب الوطن غريزة في نفوس الناس جميعا يدافعون عنه ويشترط الاسلام الا يتنافى هذا الحب مع تعاليم الدين وذلك لان الولاء يجب ان يكون لله وحده، ان الارواح تبذل في سبيله، وان حب المسلم للوطن يكون بمقدار حب اهل هذا الوطن للاسلام، وبغير الاسلام يصبح الوطن مجرد ارض وقد احب الرسول الكريم المدينة بعد اسلام اهلها ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال: «هذه طابة وهذا احد جبل يُحبنا ونُحبه» رواه البخاري، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة اوضع ناقته، وان كانت دابة حركها، قال الراوي: حركها من حبها.
رواه البخاري، وقال الحافظ بن حجر: وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين اليه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم برغم قسوة اهل مكة فإن ذلك لم ينقص من شعوره تجاهها، لانها مدينة يحبها الله، فهو يحب مكة ثم لما هاجر الى المدينة واستوطن بها احبها، وألفها كما احب مكة، بل كان يدعو ان يرزقه الله حبها كما في صحيح البخاري «اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة او اشد»، وكذلك هو محب للمدينة التي ناصرته ودافعت عن الدين العظيم الذي جاء به.
الاخلاص للوطن
ولفت الداعية الخراز الى ان حب الوطن يتمثل في حب الخير للامة والسعي فيما يصلحها وابعاد شبح اي خلاف او نزاع يراد تفريق كلمتها ولا تخرج الهجرة عن هذه المعاني الكريمة.
فإرادة الرسول الكريم الخير للامة دفعته للهجرة من مكة، وفي نفس الارادة جعلته يعود اليها متوجا بالنصر، وكذلك نصرة اهل المدينة للدين دفعه الى حب المدينة واهلها، ولم ينقص ذلك من حبه لمكة وهي البلد الحرام، ان حب الرسول الكريم لمكة جعله يدعو اهلها للدين الحنيف وذلك لارادة الخير لهم فهو اراد النفع لبلده واهلها، ولم يستجيبوا فهاجر ليعود، وكذلك نصرة اهل المدينة له جعله يحب المدينة واهلها ويحرص على غرس الايمان في قلوبهم، وكذا نحن يجب علينا ان نحرص على وطننا من خلال ارادة الخير له ولاهله، وما الخير الا التمسك بالدين الحنيف والعمل به.
فالهجرة تؤكد حب الوطن، والمواطنة الصالحة هي ارادة الخير للناس وتتمثل في سلوك المسلمين الايجابي وحبهم لدينهم وبلادهم.
واكد ان المواطنة وحب الوطن والاخلاص له فيما ينبغي على المسلم فعله والاستمرار فيه، ولا تعارض بين حب الوطن وحب الاسلام والمسلمين، بتوسع الانسان ان يحب وطنه ويحب اخوانه في كل مكان، ولا تناقض في حب المسلم للاشياء الاخرى المباح حبها من حب الاسرة وغير ذلك، وبين ان مظاهر حب الوطن ان يعمل الانسان ما استطاع من اجل حماية مكاسبه وصيانة خيراته، ويكون عينا حارسا له من كل عدو متربص في الداخل والخارج، وكل ذلك مع تقوى الله والشعور بنعمته.
نشر الوسطية
وأكد ان للهجرة دروس كثيرة منها: ان الحب الحقيقي للوطن هو تأصيل العقيدة الصحيحة بمفهوم سلف الأمة وترسيخها في الأجيال، حينئذ ينشأ جيل يؤمن أهله يدعون الى خلو البلدان من مظاهر التكفير والبدع والمنكر، ان الحب الحقيقي للوطن هو نشر الفضيلة والعفاف والعلم والخيرية، والوطنية الحقة عقيدة راسخة، ومجتمع موحد وشعب عفيف ومتآلف، وقيادة راشدة.
جيل يحب للناس الخير يتصف أهله بالرحمة والألفة والإخاء، والتكافل الاجتماعي، ان الحب الحقيقي للوطن يتجلى أيضا في أمور وهي: الحرص الأكيد على نشر الوسطية والعقيدة الصحيحة وإقامة شرع الله كي يتمتع المواطنون بالإيمان، وكذلك القضاء على اسباب الشر والفساد والرذيلة وكل عوامل الفساد.
الفرج قادم
ويبين الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.بسام الشطي أهم العبر من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: الهجرة النبوية حققت معاني عظيمة ان الله عز وجل جعل مخرجا اذا أحسن الظن بالله وبذل السبب وعلم ان الفرج قادم والهجرة بينت ان أرض الله واسعة ولا شك ان الأرض التي يولد فيها ويترعرع في ثناياها وأرض الآباء والأجداد وهي إسلامية تكون محببة الى قلبه ويشعر بدفئها وأنها جزء منه، ويعمل على ان يكون لبنة طيبة ومفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، ويدعو ان يجعلها الله دار امن وأمان ويحميها بحمايته، وأن يكون داعيا الى الوسطية وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، ونأخذ بأيدي بعضنا حتى لا تخرق السفينة ونتعــاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الإثم والعدوان، وان يكون كل منا خير سفير للإسلام، وكما جاء في الأثر «كل على ثغر فلا يؤتى الإسلام من قبلك»، وندعو الله ان يحفظ البلاد والعباد وولي الأمر من كل سوء، وأن يعمل الكل بإخلاص وأمانة وصدق ويعمل بأسباب استقرار الدول وان ينتزع فتيل الأزمات والفتن والفوضى، ويبعد الجميع عن ثقافة الكراهية والانتقام والعداوة والبغضاء.
وثيقة المدينة
ولفت د.الشطي الى ان الهجرة أسست وأرست مبادئ مهمة تصلح لكل زمان ومكان، منها العدل والمساواة واحترام حقوق الجميع دون تفرقة بين أسود وأبيض أو غني او فقير او عربي أو أعجمي، إلا بالتقوى، كما جاء في الحديث الشريف، كما أرست الهجرة مبادئ المواطنة وهذا ما عبرت عنه وثيقة المدينة التي تعرف بأول وثيقة عرفتها البشرية لحماية حقوق الإنسان، وقد قام صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد ضرب الجميع القدوة والمثل في الإيثار وحب أخيه.
وهكذا ستظل دروس الهجرة المباركة باقية الى ان يرث الله الأرض ومن عليها ومن أهم هذه الدروس تعلم قيمة الانتماء ومحبة الأوطان، فحين شارف النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج من مكة المكرمة في طريقه مهاجرا الى المدينة المنورة، حيث نظر اليها وفي عينيه دموع المفارق الحبيب، وقال بكلمات حانية:
والله إني لأعلم انك أحب بلاد الله الى الله وأحب البلاد إلى قلبي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت، وهذا يدلنا على مدى شدة الانتماء لوطنه مكة على الرغم من انه قوبل بعنت وأذى شديدين من أهلها.
وهذا الدرس يعلمنا من هذا الموقف التذكير بضرورة إيجاد العلاقة الروحية والانتمائية والنفسية بالمكان الذي ولد وتربى ونشأ فيه الإنسان، وقيمة الحب والانتماء للوطن تقتضي من الإنسان ان يكون حاميا ومحبا ومدافعا عنه ومفتديا له بكل غال ونفيس ومجاهدا وعاملا بكل ما في استطاعته وقدرته والمحافظة على كل ما فيه من مقدسات وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة الضيقة حتى يتحقق لهذا الوطن التقدم والرفعة والإخاء والتنمية لجميع أبنائه، موضحا انه يجب على الأسرة أولا والمؤسسات التربوية والإعلامية ان تغرس قيمة حب الوطن والانتماء له في نفوس النشء حتى يتربوا منذ الصغر عليها وتكون ملازمة له في شبابه فلا يقع فريسة لأفكار تنحرف به عن المسار الصحيح.
دليل الهجرة
عبدالله بن أريقط
إن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه لعبدالله بن أريقط الديلمي (وهو رجل من كفار قريش)، ليكون دليلهما في الطريق إلى طيبة (المدينة) ليدل على حسن الاختيار، لأن ابن أريقط قد سلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه طريق الساحل، الأمر الذي لم يرد على خاطر قريش، إذ لم يكن طريقا مألوفا في ذلك الحين.
عامر بن فهيرة رضي الله عنه
وكانت مهمته في الهجرة مهمة مزدوجة، أن يرعى غنم أبي بكر -رضي الله عنه- نهارا، فإذا أمسى قصد إلى الغار، واحتلب للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه وأن يتبع بالغنم مسار عبدالله بن أبي بكر بعد عودته من غار ثور إلى مكة، فيعفي على ما تركته أقدامه من آثار في رمال الصحراء، قوة إيمان وصدق عقيدة.