- الطبطبائي: تخلّف وراءها حزناً أكبر وغماً أعظم ويستمر شؤم المعصية مع صاحبها حتى بعد وفاته
- الشطي: لم يهلك الأمم السابقة إلا المعاصي وهي سبب فساد العالم وذل الأمم
المعصية شؤم على صاحبها فهي تحرمه الرزق قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»، كما ان العاصي يجد ظلمة في قلبه لأن الطاعة نور والمعصية ظلمة، فإذا تكاثرت الذنوب على العبد طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين وهي خطر ومفسدة للأخلاق.. عن المعصية وأثرها على الإنسان يحدثنا العلماء:
أكد العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية ورئيس لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د.محمد الطبطبائي وجود علاقة وثيقة بين المعاصي التي يقع فيها الفرد وما يحدث من آثار سلبية للفرد والمجتمع، وحول الآثار المترتبة على فعل المعصية قال: المعصية تشمل كل ما فيه مخالفة لأمر من أوامر الله تعالى، مشيرا الى ان هناك آثارا عديدة تحدثها المعصية للفرد ومنها: حرمان الطاعة والصد عن ذكر الله تعالى، الأمر الذي يعطل الفرد عن القيام بوظيفته الأساسية في الحياة الدنيا، وهي عبادة الله عز وجل، واستشهد د.الطبطبائي بقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وبين د.الطبطبائي ان المعصية مفسدة لراحة النفس وانشراح الصدر، كما يفسد الخل العسل وتصيب صاحبها بالهم والغم والحزن والخوف وغيرها من الأمراض النفسية لقوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) وقال موضحا ان ما يحدث للعاصي من فرح وسرور يصاحب فعل المعصية لا يلبث ان يزول، ويخلف من ورائه حزنا أكبر وغما أعظم ينسي تلك اللحظات التي سر بها، وشبهه بمن أكل وجبة دسمة فأمرضته ومنعته من أكلات أطيب منها، وإن صاحب المعصية يحصل له شعور بعدم انسجام في المجتمع فيبتعد عن أهل الخير ويحرم الانتفاع بهم.
أثر المعصية
وحذر د.الطبطبائي من ان المعاصي تحرم صاحبها الاستفادة من نعمة المال الذي هو قوام مصالح الدنيا بلا منازع، بانفاق الأموال على المعصية كالقمار وشرب الخمر وغيرهما، فتورث العاصي الفقر والحاجة، وتغرق ذمته بالديون فينزل نفسه وعياله بسؤال الناس، فضلا عن ان المعاصي تشغل صاحبها عن الاستفادة من أوقات حياته، فتضيع عليه أيامه دون ان يقدم لآخرته شيئا، ويوم القيامة يتحسر يوم لا ينفع الندم.
آفات
وعن حال صاحب المعصية في الدنيا قال د.الطبطبائي ان صاحب المعصية قد يجد أمور الدنيا تتعسر عليه ولا يحظى بتوفيق الله تعالى، فلا يتوجه لأمر من أمور الدنيا التي تكون له مصلحة فيها إلا ويجد الأبواب مغلقة أمامه، أو متعثرة عليه، فيحصل له الشقاء في الدنيا، وان الفرد يكون مهيأ لأن يصبح له دور بارز في المجتمع، فإذا اقترف المعصية حالت بينه وبين ما هو مهيأ له.
شؤم المعصية
وأكد د.الطبطبائي ان المعصية تجلب على صاحبها الآفات الدنيوية عقوبة من الله تعالى، كما هو الحال بحصول الأمراض الفتاكة لمن يقع في جريمة الزنى أو الشذوذ الجنسي وتغير صورة العاصي فتغشاه ظلمة الوجه وضعف الجسد، بالإضافة الى استحقاقه العقوبات الدنيوية من القصاص أو الحدود أو التعزير هذا في الدنيا، ويستمر شؤم المعصية مع صاحبها حتى بعد وفاته، ويستحق بها العقوبة الأخروية.
آثار عامة
وعن آثار المعاصي في المجتمع أكد د.الطبطبائي ان المعاصي تزيل النعم، وان الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء سببا وآفة، فهناك سبب يجلبه، وآفة تبطله، قال الله تبارك وتعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) وقال تعالى: (ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فإذا غيرت طاعة الله تعالى بمعصيته وشكره بكفره غير الله عليهم (جزاء وفاقا)، (وما ربك بظلام للعبيد).
واستشهد د.الطبطبائي بقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة».
مؤكدا ان ظهور الفساد في المجتمعات يكون نتيجة حتمية لارتكاب المعاصي لقوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
دعوة
ودعا د.الطبطبائي الأفراد والمجتمعات الى الابتعاد عن كل ما فيه معصية لله تعالى حتى يتجنبوا الأضرار العديدة والخطيرة المترتبة على فعل المعصية، ووجه دعوة لجميع العصاة بالتوبة ومحاسبة النفس بشروطها: الإخلاص لله تعالى والإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات وإرجاع الحقوق المتعلقة بالغير إلى أهلها، والعزم على عدم العودة لها مستقبلا، موضحا ان التوبة والاستغفار من هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وختم حديثه بالآية الكريمة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وأنيبوا الى ربكم وأسلموا له).
تزيل النعم
ويضيف أستاذ الفقه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.بسام الشطي ان المعاصي تحول بين الإنسان وبين الخير، ولم يهلك الأمم السابقة إلا المعاصي، وابليس لم يخرج من الجنة إلا بالمعصية، وقال أحد الصحابة: والله انني لأعلم شؤم معصيتي في عثر دابتي وخلق زوجتي.
ولذا كان النهي الإلهي باجتناب المعاصي والتي كانت وستظل سببا في الفساد والخراب وهذه سنة الله في خلقه وعلى الجانب الآخر كانت الحسنة سببا في النماء والارتقاء والبناء والسعادة، ولذلك أمر الله بها حيث ان سبب فساد العالم وذل الأمم والأمراض والأسقام والتخلف والرجعية هي المعاصي قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
تحل النقم
وعن عقوبة الذنوب أكد د.الشطي انها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة» وقد قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
وقال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فأخبر الله تعالى انه لا يغير نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غير غير عليه، (جزاء وفاقا)، (وما ربك بظلام للعبيد)، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
نصائح ابن القيم للصبر عن المعصية
عشر نصائح لابن القيم للصبر عن المعصية يقول فيها:
1- علم العبد بقبح المعصية ورذالتها ودناءتها وأن الله حرمها ونهى عنها صيانة وحماية للعبد عن الرذائل كما يحمي الوالد الشفيق ولده مما يضره.
2 - الحياء من الله. فإن العبد متى علم بنظر الله إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى من الله ومسمع كان حييا يستحي أن يتعرض لمساخط ربه. والحياء أن تنفتح في قلبك عين ترى بها أنك قائم بين يدي الله.
3 - مراعاة نعم الله عليك وإحسانه إليك: فإذا كنت في نعمة فارعها، فإن المعاصي تزيل النعم، من أنعم الله عليه بنعمة فلم يشكرها عذبه الله بذات النعمة.
4 - الخوف من الله وخشية عقابه.
5 - حب الله. فإن المحب لمن يحب مطيع، إنما تصدر المعصية من ضعف المحبة.
6 - شرف النفس وزكاؤها وفضلها وحميتها. فكل هذا يجعلها تترفع عن المعاصي.
7 - قوة العلم بسوء عاقبة المعصية وقبح أثرها والضرر الناشئ منها من سواد الوجه وظلمة القلب وضيقه وغمه، فإن الذنوب تميت القلوب.
8 - قصر الأمل ويعلم الإنسان أنه لن يعمر في الدنيا ويعلم أنه كالضيف فيها وسينتقل منها بسرعة فلا داعي أن يثقل حمله من الذنوب فهي تضره ولا تنفعه.
9 - مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه المفاضلات، ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد بطالته وفراغه فإن النفس لا تقعد فارغة إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره.
10 - السبب الأخير هو السبب الجامع لهذه الأسباب كلها، وهو ثبات شجرة الإيمان في القلب، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أقوى. وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر، ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط.