قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف او ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ـ المائدة).
روى البخاري ومسلم عن أنس: ان ناسا من عكل وعرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام، فاستوخموا المدينة «أي وجدوها رديئة المناخ، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بزود من الإبل وراع وأمرهم ان يخرجوا الى الصحراء فيشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلام وقتلوا الراعي، واستاقوا الزود من الابل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في طلبهم، فأتوا فأمر بهم فسملوا أعينهم «اي كحلوها بمسامير الحديد المحماة» وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف وتركوا حتى ماتوا فنزلت الآية.
وهذه الآية تسمى آية المحاربة، وهي في وصف من يقطع السبيل ويثير الرعب بين الناس ويعمل على عدم استتباب الأمن والاستقرار بأنه محارب لله ورسوله، وساع في الأرض فسادا، تهديد شديد بأن من فعل ذلك يعرض نفسه لحرب الله له ولحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم له وكذلك لحرب إمام المسلمين وجماعته الملتزمين بشرع الله.
ولا شك ان من حاربه الله محروب ومن غالبه الله مغلوب، وان الله عز وجل يمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن عباده الصالحين من قطع دابره والقضاء على إفساده، وحد الحرابة أو حد قطاع الطريق هو تقتيلهم أو تصليبهم أو تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف او نفيهم من الأرض إذا قدر عليهم قبل ان يتوبوا، وهذا يدل على شناعة المحاربة وقطع الطرق وعظيم ضررها لأن نعمة أمن الشعوب واستقرارها في الذروة من النعم، واشاعة الخوف وإفساد الأمن قتل للأمم وإهلاك للشعوب، لذلك فإن جزاء هؤلاء وأمثالهم ممن يعتدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بالقتل أو السلب أو قطع الطريق أو السرقة ويعيثون في الأرض فسادا فيشكلون العصابات المسلحة للنهب والسلب ويقتلون الأبرياء من الناس أو يعبثون بقوانين البلاد ابتغاء الفساد وتعريض الأمن العام للاضطراب او يقومون بمهاجمة المتاجر والمنازل وعابري السبيل وينشرون الفوضى والذعر والخوف والهلع بين الناس، يجب على امام المسلمين ان يطبق عليهم حكم الله عز وجل وهو القتل لمن قتل منهم فقط أو الصلب لمن قتل وسلب المال، او بقطع الأيدي والأرجل من خلاف لمن سلب المال ولم يقتل، أو بالحبس لمن هددوا الناس بالبطش بهم، هذا جزاؤهم وعقابهم، ليكون لأولئك المجرمين ذلا وفضيحة في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أشد، أما من تاب منهم قبل ان يقبض عليهم فهؤلاء يغفر الله لهم ذنوبهم ويرحمهم ويكون هذا فقط من الحقوق المتعلقة به تعالى، أما القصاص وحقوق المعتدى عليهم فلا يسقطان بالتوبة بل لابد ان تؤدى الحقوق لأصحابها.
ان كل صاحب عقل ينشد الأمن والاستقرار يعلم ان الإسلام صان بتشريعه كرامة الإنسان وجعل الاعتداء على النفس او المال أو العرض أبشع جريمة وجناية تستوجب أشد أنواع العقوبات، فالبغي في الأرض بالقتل والسلب والاعتداء على الآمنين بسرقة أموالهم كل هذه جرائم اجتماعية ينبغي معالجتها بشدة وحزم حتى لا يعيث المجرمون في الأرض فسادا وحتى لا يكون هناك من يروع الناس ويخل بالأمن، ولقد وضع الإسلام عقوبات لهؤلاء المجرمين تعتبر بحق رادعة زاجرة تقتلع الشر من جذوره وتقضي على الجريمة في مهدها وتجعل الناس يعيشون في أمن وطمأنينة واستقرار.
ولما عطلت المجتمعات الإسلامية شرع الله وأخذت تستورد القوانين الوضعية من بلاد الكفر وتعطلت الحدود زادت الجرائم وتنوعت وكثرت العصابات واختل الأمن فصار السارق يسرق وهو آمن مطمئن لا يخشى شيئا، ويقتل القتال دون خوف وتهتك الأعراض، ويروع الناس وليس هناك عقاب يردع هؤلاء المجرمين، اللهم إلا السجن الذي صار للمجرمين كالفندق يعيشون به بالمجان يطعمون ويكسون فيه ويقضون أوقاتا مريحة بين مشاهدة التلفاز وألعاب التسلية وقد وفرت لهم جميع وسائل الراحة والترفيه، ثم يفرج عنهم بمناسبة الأعياد وغيرها من المناسبات ويخرج المجرم من السجن وهو الى الإجرام أميل وعلى الشر أقدر، فأحدهم يدخل السجن وهو لص صغير ثم يخرج منه وقد احترف الإجرام، وأتقن فنون الجريمة، ويعود الى ارتكاب جريمة أخرى تكون أفظع وأبشع من جريمته الأولى لأنه علم انه ليس هناك قصاص، فالمسألة كلها فندق كتب على بابه «سجن».
ولقد تعرض هذا البلد ومازال عرضة لجرائم بشعة، ولايزال بعض من ارتكبوا هذه الجرائم يعيشون في السجن وبعضهم أفرج عنهم وبعضهم هرب، ومن هذه الجرائم البشعة تعرض صاحب السمو الأمير لمحاولة قتل، كما تعرضت البلاد لعمليات تخريبية دبرها مجرمون، ولقد استطاع رجال الأمن بفضل الله ثم بجدهم وإخلاصهم القبض على المجرمين وحكم عليهم بالإعدام إلا ان الحكم لم ينفذ ودخلوا السجن، فماذا كانت النتيجة؟ لقد فر هؤلاء المجرمون عندما جاء جنود الظالم طاغية العراق وفتحوا أبواب السجن وخرج هؤلاء وفروا دون ان ينالوا عقابهم جزاء جرائمهم المنكرة.
وهانحن كل يوم نسمع ونقرأ عن جرائم متعددة يدبرها مجرمون ويذهب ضحيتها ناس أبرياء، وتنتهي القضية بدخول المجرم السجن وذهاب دم الأبرياء وأعراضهم وأموالهم هدرا، وكما قيل: «من أمن العقوبة أساء الأدب».
وللحديث صلة.
بقلم الداعية: سيد عبدالله الرفاعي