- المذكور: الواجب على العلماء والدعاة الرجوع إلى المجامع الفقهية الرسمية أو لجان الفتوى فهي المسؤولة عن تحمّل وزر الفتوى الخاطئة
- الشراح: لا بد من تنظيم الفتوى لتخرج الأمة من البلبلة والعبث والفوضى عندما تصدر الفتوى من أنصاف المتعلمين
- السويلم: كان الصحابة والتابعون يتجنبون مناصب القضاء والإفتاء خوفاً من الجنوح في الإفتاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار». هل اصبح الافتاء مهنة من لا مهنة له؟ وهل كل من حفظ من القرآن الكريم بعض آياته وقرأ في السنة يعطي لنفسه حق التصدي للافتاء؟
استطلعنا آراء العلماء حول انتشار مثل هذه الظاهرة والشروط الواجب توافرها فيمن يتصدى للافتاء، وهل يجوز فتح باب الاجتهاد على مصراعيه دون شروط او ضوابط؟ وهل هناك علاقة بين تعدد جهات الفتوى وعدم اتفاقها في كثير من الأمور وبين الازمة الفكرية التي تعيشها الامة الاسلامية الآن؟ نكمل اليوم آراء الفقهاء في هذه القضية على النحو الآتي:
يؤكد رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق احكام الشريعة الاسلامية د.خالد المذكور ان الافتاء ليس مهمة سهلة، وان أهل العلم العارفين بخطورته يفرون منه وان كانوا من اعلامه تورعا وخوفا من سوء العاقبة، اما من لا يعرفون خطورته فيلقون بأنفسهم عن سبق عمد وترصد في احضان جهنم وساءت مصيرا، فالفتوى لها اربعة اركان: المفتي، والمستفتي، والمسألة المستفتى عنها، والفتوى، ولكل ركن من هذه اركانه وشروطه التي لا ينفك عنها.
وعن هذه الاركان، اوضح د.المذكور انه يلزم ان يكون المفتي عالما مشهودا له بالبراعة في جملة من العلوم في مقدمتها: كتاب الله وخصوصا آيات الاحكام وما يتعلق بها من اسباب النزول والمجمل والمفصل، وما ذكره العلماء في الناسخ والمنسوخ، وكيفية الجمع بين المتعارض ظاهرا ومن السنة، كذلك يلزمه ان يحيط بما اجمع على احكامه سلفنا الصالح، وما اختلفوا فيه، وان يتيقن القياس وانواعه ومصادر التشريع المختلف فيها والتي تقارب الـ 20 مصدرا بعد الكتاب والسنة والاجماع والقياس، وقبل ذلك كله يكون عالما باللغة العربية وتراكيبها والحديث وعلومه والتفسير، كما يلزمه ان يكون ملتزما بعلمه مشهودا له بالفضل والورع بين الناس، وان يكون عالما بحال الناس ومكرهم وخداعهم واعرافهم.
المسائل
أما ما يلزم المستفتي السائل عن حكم مسألة، فيلزمه ان يسأل عن حكم الله لا حكم غيره، وان يسأل عن حكم مسألة يجهل حكمها ويحتاج اليه، ولا يسأل من باب الجدل او اظهار العلم او عجز العلم او عجز من يسأل، فكثير من السائلين يسأل عن حكم مسائل يعلم أحكامها او مسائل يعلم بأن الخلاف استقر فيها، ويعلم كل ما ذكره العلماء فيها كتوحيد المطالع لاسيما في بداية الصيام ونهايته ووقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وفوائد البنوك وغيره.
محل الفتوى
أما ما يلزم ان تكون مسألة محل الفتوى فيجب ان تكون واقعية تحتاج الى بيان لحكمها وليست من الأمور المفترضة كالتي يتحدث عنها بعض الناس في أيامنا ويشغلون بها وتستهلك اوقاتهم.
اما الفتوى فيلزم ان تكون موافقة لمراد الشارع في ظن المفتي فتجرده عن هوى نفسه ولا علاقة لها بانتمائه الاجتماعي او غيره.
أمر خطير
وعما يراه د.المذكور والذي يجب القيام به من قبل الدعاة في بعض الفتاوى التي تثير البلبلة والفتنة، قال: انه من واجب العلماء والدعاة الرجوع الى المجامع الفقهية الرسمية او لجان الفتوى الرسمية فهي المسؤولة عن تحمل وزر الفتوى اذا كانت على خطأ، مشيرا الى ان الخطورة تكمن في بعض من يقوم بالفتوى في أمور الدين من دون علم وهذا أمر خطير وتترتب عليه امور خطيرة، فالمفتي الجاهل كما يطلق عليه في الفقه الاسلامي يجب منعه شرعا حتى لا يؤثر في الناس بضعف رأيه او جهله، وقوله في العلم بما لا يعلم.
واضاف: الاسلام حذر من اتباع آراء من لا علم لهم لانهم يضلون ويضلون كما قال صلى الله عليه وسلم: «ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فيسألون فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» وحذر د.المذكور ممن يفتي بغير علم مما يترتب على ذلك ضياع الارواح والاموال والاعراض، وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم فكأنما ذبح بغير سكين».
هيئة الفتوى
ويرى الأستاذ بقسم الفقه واصوله في كلية الشريعة والدراسات الاسلامية د.يوسف الشراح ان كثيرا من الذين يتصدون للافتاء عبر وسائل الاعلام من غير المؤهلين، ولا بد من تنظيم الفتوى لتخرج الامة من البلبلة والعبث والفوضى عندما تصدر الفتوى من غير أهلها وأربابها ومن انصاف المتعلمين الذين يضعون انفسهم مفتين وافتوا في كل شيء واصبح الكل يفتي وفق هواه حتى تضاربت الآراء واستبيح مضمار الفتوى.
واكد د.الشراح ان قصر الفتوى على المختصين من اهل الفقه اصبح حاجة ملحة وضرورة اكيدة وسيقطع الطريق على الذين يتجرأون على الفتوى من دون ان يكونوا من اهلها.
ودعا الى التمسك بفتاوى هيئة الافتاء في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية وعدم صدور فتاوى الا من قبلها ذلك لأنها الجهة الرسمية المعتمدة والمؤهلة لهذا الأمر حتى لا تثار المشاكل ويحدث الاضطراب والحيرة لدى الناس عندما تتغير وتتضارب الفتاوى.
تأثير سيئ
ويضيف الداعية يوسف السويلم بقوله: اما من يفتون بغير علم فليخش هؤلاء عذاب الدنيا والآخرة وليتذكروا قوله تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) فحري بالانسان ان يبتعد عن الفتوى فيما ليس له به علم، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون من بعدهم يخشون الله حق الخشية خوفا من الجنوح في الافتاء فكانوا احيانا يتجنبون مناصب القضاء والافتاء خوفا من الله جل وعلا، الا اننا اليوم نرى الكثير من غير المتخصصين في الفتيا يدلون بدلوهم في الافتاء بغير علم او حسب الاهواء فيؤثرون في العامة من الناس تأثيرا سيئا مما يجعلهم يتبوأون مقعدهم من النار.
قال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه عنه أبوذر الغفاري: «من ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار» وقال صلى الله عليه وسلم: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
حكم الفتوى دون علم
قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) ـ النحل: 143
قال تعالى: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكـم أم على الله تفترون).
وقال: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) ـ النحل: 116.
وقال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: مرفوعا «من أفتى فتيا بغير علم كان اثم ذلك على الذي أفتاه».
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما أبردها على الكبد ما أبردها على الكبد فقيل له وما ذاك؟ قال: ان تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم».
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «يأيها الناس من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم ان يقول لما لا يعلم الله أعلم».
وعن عقبة بن مسلم قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا فكثيرا ما كان يُسأل فيقول: «لا أدري» ثم يلتفت الي فيقول: «تدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون ان يجعلوا ظهورنا جسرا لهم الى جهنم».
وقال الإمام مالك: «ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا أدري، فإنه عسى ان يهيأ له خير».
وعن زيد بن حباب قال: رأيت سفيان اذا سئل عن المسائل قال: «لا أدري، حتى يظن من رأى سفيان ولا يعرفه انه لا يحسن من العلم شيئا».
وقال القعنبي: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت له: يا أبا عبدالله، ما الذي يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب، ومالي لا أبكي؟ ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت اني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سوطا، وقد كانت لي السعة فيما قد سُبقت اليه».
قال العلامة ابن باز: الواجب على طالب العلم وعلى كل مسلم أشكل عليه أمر من أمور دينه ان يسأل عنه ذوي الاختصاص من أهل العلم وان يتبصر وألا يقدم على أي عمل بجهل يقوده الى الضلال.
قال الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه): باب أدب المستفتي أول ما يلزم المستفتي: اذا نزلت به نازلة ان يطلب المفتي، ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في محلته وجب عليه ان يمضي الى الموضع الذي يجده فيه فإن لم يكن ببلده لزمه الرحيل اليه، وان بعدت داره، فقد رحل غير واحد من السلف في مسألة.
وقال أيضا: فعليه ان يسأل من يثق بدينه ويسكن الى أمانته عن أعلمهم وأمثلهم ليقصده ويؤم نحوه، فليس كل من ادعى العلم احرزه، ولا كل من انتسب اليه كان من أهله.
من نصائح الإمام الوادعي للمستفتين
قال الإمام الوادعي رحمه الله، فإني أنصح اخواني في الله انهم اذا استفتوا أحدا ان يسألوه عن الدليل على فتواه من كتاب الله أو سنّة صحيحة، وبهذا يكون السائل طالب علم تضع الملائكة له أجنحتها رضا بما يصنع.
وقال رحمه الله تعالى: أنصح الاخ ان كان من طلبة العلم ان يبحث في الكتب ويحرص كل الحرص على ان يقف على الحقيقة بنفسه من كتب أهل العلم، والأمر ميسر ان شاء الله فإن لم يتيسر له ذلك، فالمعتبر هو طمأنينة النفس فإن اطمأنت نفسه بسؤال أول عالم مع الدليل لابد ان تطالبه بالدليل لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم (اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) ـ الأعراف:3.
فإذا أتى بالدليل من كتاب الله ومن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمت ذلك فلك ان تكتفي بهذا أو لك ان تسأل غيره ولئلا يكون الدليل منسوخا أو لم يدل على ما استدل به فإنه يخشى ان يوجد من المفتين من يكون متمذهبا ويفتي بمذهبه فإن لك ان تتثبت لا بأس.