في الثاني عشر من رمضان عام 13 للهجرة وقعت معركة البويب بين المسلمين والفرس بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، وذلك في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومعركة البويب الواقعة قرب مدينة الكوفة تعد من المعارك الحاسمة في تاريخ المسلمين وتقاس بيوم اليرموك لأنها اذنت للمسلمين ان ينساحوا في ارض العراق وكان قائد المسلمين يومها المثنى بن حارثة الشيباني، وهو من بني شيبان من بكر بن وائل، فعندما اسلم المثنى بن حارثة كان يغير هو ورجال من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فسأل عن المثنى، فقيل له: «هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد»، وعندما قدم المثنى الى المدينة المنورة، قال للصديق: «يا خليفة رسول الله استعملني على من اسلم من قومي اقاتل بهم هذه الأعاجم من اهل فارس» فكتب له الصديق عهدا.
وحدثت هذه المعركة بعد هزيمة المسلمين في معركة الجسر امام الجيش الفارسي، وكانت انباء هزيمة الجسر ثقيلة على المسلمين، حتى ان عمر بن الخطاب ظل اشهرا طويلة لا يتكلم في شأن العراق، نظرا لما اصاب المسلمين هناك، ثم ما لبث ان اعلن النفير العام لقتال الفرس في العراق، فأعيد تجميع القوات الإسلامية لتنضوي تحت لواء المثنى بن حارثة، وحشد القائد الفارسي رستم مائة الف من الفرسان والمشاة وعددا من الفيلة. عين رستم مهران بن باذان قائدا عاما للجيش وقد كان يعرف العربية وكان والده باذان مسلما قاتل في جيوش الردة.
وزحف الجيش الفارسي من المدائن الى الحيرة لملاقاة جيش المسلمين، واكتمل صف المسلمين تحت امرة المثنى بن حارثة، فتوافوا بمكان يقال له البويب قريب من مكان الكوفة اليوم وبينهما الفرات، قالوا: اما ان تعبروا الينا، او نعبر إليكم، فقال المسلمون: بل اعبروا الينا فعبرت الفرس اليهم فتوافقوا، وذلك في مثل هذا اليوم 12 رمضان.
فعزم المثنى على المسلمين في الفطر فأفطروا عن آخرهم ليكون اقوى لهم، وعبأ الجيش وجعل يمر على كل راية من رايات الامراء على القبائل ويعظهم ويحثهم على الجهاد والصبر والصمت، وفي القوم جرير بن عبدالله البجلي في بجيلة وجماعة من سادات المسلمين. وقال المثنى لهم: اني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا، فإذا كبرت الرابعة فاحملوا، فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول، فلما كبر اول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم، واقتتلوا قتالا شديدا وبعث المثنى اليهم يقول: يا معشر المسلمين عاداتكم، انصروا الله ينصركم، وجعل المثنى والمسلمون يدعون الله بالظفر والنصر.
فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من اصحابه الأبطال يحمون ظهره، وحمل على قائد الفرس فأزاله عن موضعه حتى دخل الميمنة. وحمل المنذر الضبي على مهران قائد الفرس فطعنه واحتز رأسه جرير البجلي، وهرب جنود الفرس، وسبق المثنى بن حارثة الى الجسر فوقف عليه ليمنع الفرس من الجواز عليه ليتمكن منهم المسلمون، فركبوا اكتافهم بقية ذلك اليوم وتلك الليلة، ومن بعد الى الليل، وغنم المسلمون مالا جزيلا وطعاما كثيرا، وبعثوا بالبشارة والأخماس الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتمكن المسلمون من الغارات فيما بين الفرات ودجلة فغنموا شيئا عظيما لا يمكن حصره، وقد خاض المثنى بن حارثة المعركة وهو يشكو من اصابات سابقة لحقت به من معركة الجسر السابقة وشاءت ارادة الله ان يفارق المثنى بن حارثة الحياة بعد تلك المعركة متأثرا بالجراح التي اصيب بها يوم معركة الجسر السابقة.