الاجتماع والاعتصام بحبل الله
قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران: 103-104).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة» الترمذي (2166)
إن الإسلام يحرص على اجتماع الكلمة، وتوحيد الصفوف، وسلامة القلوب، وينهى عن الاختلاف والتباعد والتفرق، ومن أجل ذلك رخص للمصلح بين الناس أن يكذب، وليس هو بآثم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا» رواه البخاري.
بل هو مأجور لسعيه في إصلاح ذات البين، وسل السخائم من القلوب، وأولوا الألباب خليق بهم أن يكونوا سباقين للإصلاح بين الناس، فلا ينبغي لهم العزوف عنه، ولا الابتعاد عن طريقه بعد ما عرفوا ما فيه من الأجر العظيم.
ومن البديهي ان تكون العقيدة الإسلامية هي الرابطة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وهي الأساس لبناء المجتمع ونظامه، حتى يعمل الأفراد في ضوء عقيدتهم الصافية كأعضاء في المجتمع كما يعمل المجتمع كجماعة منظمة في ضوء العقيدة السمحة المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة التي يحملها أفراده والتي تدعوهم إلى التآخي والتراحم والاتحاد.
ويترتب على ذلك أن كل من يحمل هذه العقيدة ويدين بها ويلتزم بمقتضاها يكون أهلا للانتماء إلى هذا المجتمع الإسلامي فيصبح عضوا فيه محبا لجميع المسلمين ومحبوبا من قبلهم، ويساهم في كل خير يعود على هذا المجتمع ويحقق مقاصده ويحرص على سلامته من كل شر ولا يميز بين المسلمين من حيث الفقر أو الغنى أو اللون أو اللغة أو القومية. قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء: 92).
وأصل البشر واحد، ولا يمكن حجب هذه الحقيقة باختلاف الناس بالأنساب والأجناس، لأن أجناسهم وشعوبهم المختلفة كالأغصان للشجرة الواحدة وقد دعا الإسلام إلى التراحم.
وفي الحديث عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه مسلم (2586)، وفي رواية: «المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» رواه مسلم (2586).
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء» رواه أبوداود (4941).
فبالتآخي بدين الله سبحانه والتراحم يكون الاجتماع والاعتصام بحبل الله المتين.
قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) (الفتح: 29 ). فالتراحم والترابط بين المسلمين من الصفات المتأصلة فيهم والتي جعلت وتجعل المجتمع الإسلامي كالأسرة الواحدة.
والحق أن مجتمعا يصل فيه التراحم والترابط إلى هذا الحد لمجتمع سعيد والسر في بركة الجماعة ويد الله معها وقد قيل: الاجتماع قوة والتفرق ضعف وما أضعف الدول مثل التفرق.
فعلينا بالاجتماع على الخير والتعاون على البر والتقوى عملا بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (المائدة: 2).
وكذلك من الأمور التي تجمعنا تمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) (الأنفال: 24).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» رواه الحاكم (1/93)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (2937).
ومتى ما ابتعد الناس عن هذين الوحيين تفرقوا واختلفوا وتفرقوا، لهذا قال تعالى: (ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) (الروم: 31 و32)، وهذا تحذير من أن يسلك أهل التوحيد والإيمان مسلك المشركين الذين فرقوا دينهم، فمنهم من يعبد الأوثان والأصنام، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى، ولهذا قال: (وكانوا شيعا) أي: كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم، وكل حزب من هؤلاء فرح بما عنده يحكمون لأنفسهم بأنه الحق وأن غيرهم على باطل، وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.
وصدق من قال:
متى ما اجتمعتم نلتم العز كله
وأعطيتم الملك العظيم المؤثلا
وأضحى مواليكم عزيزا مؤيدا
وأمسى معاديكم مهانا مذللا
وصار لكم أمر الأنام ونهيهم
وصرتم لهم ركنا وكهفا وموئلا
إن الاجتماع يساعد المسلمين على مواجهة التحديات وتحقيق الاتصال الجماعي بالنماذج الإسلامية المثالية، ويقدم النموذج الإسلامي السليم للإنسان الحضاري، ويظهر قدرة الإسلام على جمع الأمة ويورثه القوة والعزة والمنعة، ويحقق الألفة والعدالة والمحبة وكل العوامل المؤدية إلى الترابط في المجتمع الإسلامي، كما أنه يقضي على العصبية القبلية، ويعد القاعدة الدينية الاجتماعية لتكون أساسا يتسع لجميع الأمم والشعوب.
إن الاجتماع مظهر إسلامي أصيل، حث عليه الإسلام في صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة والعيدين، وأداء الحج، والاجتماع يخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم ويجعلهم يخشون شوكة الإسلام والمسلمين، ومن ثم يكون في الاجتماع عزة للمسلمين في كل مكان، وتوحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة، ودوام دولتها، ونجاح رسالتها.
كما أن الإسلام نهى عن كل خلق يفرق المسلمين ويضعفهم، والنصوص في هذا كثيرة من الكتاب والسنة.