حاورته: ليلى الشافعي
أكد الاستاذ بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية والامام والخطيب بمسجد الدولة الكبير د.وليد العلي ان الافتاء بغير علم هو من اصل الشرك والكفر وهو عظيم عند الله تعالى، لافتا الى ان الواجب على من يتصدى للافتاء ان يتحلى بالتمهل ويتخلى عن التعجل وليحذر من التملص من السؤال والقول بلا علم، وبين ان الوسطية هي دين الاسلام ومن استبدل بهذه الوسطية الغلو في الدين وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، واكد ان التنطع هو اقبح المسالك ومع انه غدا ظاهرة عالمية فهو لم ينتسب في زمن من الازمنة الى ملة من الملل ولا الى نحلة من النحل.
وأشار الى ان لخطبة الجمعة دورا مهما في حث المصلين على الاستفادة من الدروس الشرعية ومن احداث التاريخ الاسلامي وحث المواطنين على الوحدة الوطنية، مؤكدا ان الكويت جبلت على التدين المكتنف بالوسطية والاعتدال وان اهلها درجوا منذ القدم على نبذ جميع مسالك العنف وشتى طرق الضلال وأوصى الشباب بلزوم حنيفية الاسلام السمحة ووسطية الدين.. فإلى نص الحوار:
خطورة الفتوى
ما رأيك فيمن يفتي بغير علم؟
٭ مما يدل على خطورة الفتوى بغير علم ما جاء في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه» - رواه ابو داود وابن ماجه، ولو نظرنا في سير سلف الامة الصالحين، لوجدناهم من اورع الناس في الفتيا عن رب العالمين، قال ابن ابي مليكة رحمه الله تعالى: سئل ابو بكر الصديق رضي الله عنه عن آية فقال: «أي أرض تقلني؟ وأي سماء تظلني؟ واين اذهب؟ وكيف اصنع؟ اذا أنا قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم».
وقال مسروق رحمه الله تعالى: «كتب كاتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا ما أرى الله امير المؤمنين عمر فانتهره عمر وقال: لا، بل اكتب: هذا ما رأى عمر، فإن كان صوابا فمن الله وان كان خطأ فمن خطأ عمر»، وقال مسروق ايضا: «كنا عند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه جلوسا وهو مضطجع بيننا فأتاه رجل فقال: يا أبا عبدالرحمن ان قاصا عند ابواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنون منه كهيئة الزكام، فقال عبدالله، وجلس وهو غضبان: يأيها الناس اتقوا الله، من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم فليقل الله اعلم فإنه اعلم لأحدكم ان يقول لما لا يعلم: الله اعلم، فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) رواه البخاري ومسلم، وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتى لمجنون» رواه الدارمي، وقال ابو حصين الاسدي رحمه الله: «إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها اهل بدر» رواه البيهقي.
من أعظم الحرمات
وما حكم الشرع فيمن يقول ما لم يعلم في الشريعة الإسلامية؟
٭ ليس في أجناس المحرمات اعظم ولا اشد عند الله تعالى من القول عليه بلا علم، انما هو أصل الشرك والكفر، جعل الله تعالى المحرمات اربع درجات وبدأ بأدناها وهي الفواحش ثم ثنى بما هو أشد تحريما منها وهو الإثم والظلم ثم ثلث بما هو اعظم تحريما منها وهو الشرك به سبحانه ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وعليه أسست البدع والضلالات فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله تعالى بلا علم، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى، ونسبته الى ما لا يليق به وتغيير دينه وتبديله ونفي ما اثبته واثبات ما نفاه، وعداوة من والاه وموالاة من عاداه، وحب ما ابغضه وبغض ما احبه وتحريم ما أحله وتحليل ما حرمه، وقد قال الله تعالى (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) فقد تقدم اليهم الله وهو الفعال لما يريد، بالوعيد الشديد على الكذب عليه في الاحكام وقولهم لما لم يحله هذا حلال ولما يحرمه هذا حلال. قال الربيع بن خثيم رحمه الله تعالى «ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت، لم أحل كذا، ولم أحرم كذا».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وممن معه من المسلمين خيرا، وكان من جملة ما يوصيه به قوله صلى الله عليه وسلم «واذا حاصرت أهل حصن فارادوك ان تنزلهم على حكم فلا تنزلهم على حكم الله ولكن انزلهم على حكمك فانك لا تدري اتصيب حكم الله فيهم أم لا» رواه مسلم من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
آداب الإفتاء
٭ عليه ان يتدثر بآداب الافتاء الشرعية وان يتسربل باخلاق الاجابة المرعية فمن ذلك ان يتحلى بالتمهل وان يتخلى عن التعجل كما قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى «العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق، التأني من الله والعجلة من الشيطان» رواه البيهقي، كما يجب على المفتي ان يعلم ان المستفتين جعلوه سفيرا بينهم وبين رب العالمين، كما قال ابن المنكدر، رحمه الله تعالى: «العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهما» رواه البيهقي.
وليحذر المفتي كل الحذر من الحيلة في التخلص من السؤال والقول بلا علم على الكبير المتعال، كما قال القاضي ابن خلدة، رحمه الله تعالى: «يا ربيعة اراك تفتي الناس فاذا جاءك الرجل يسألك فلا يكن همك ان تتخلص مما سألك عنه» رواه البيهقي، وعلى المفتي قبل ان يفتي في مسألة فتلحقه الملامة ان يسأل ربه تبارك وتعالى السلامة، فكان سعيد بن المسيب، رحمه الله تعالى، لا يكاد يفتي في سؤال الا تضرع لذي الجلال وقال: «اللهم سلمني وسلم مني» رواه البيهقي، وعلى المفتي ان يعلم ان العلم ابواب، فلا يكن علمه بباب منه فاتحا لباب القول بلا علم على العزيز الوهاب، كما قال سحنون بن سعيد، رحمه الله تعالى: «أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن ان الحق كله فيه» رواه ابن عبدالبر.
الوسطية
الاسلام دين الوسطية، ومع ذلك نجد البعض يتشدد في احكام الدين، فما تعليقكم؟
٭ لقد بعث الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، وهي وسطية دين الاسلام، قــــال الله تعالى (وكذلك جعلنــاكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، وهذه الوسطية هي احب الدين الى البـر الجواد، لأنـها تجمع بين سماحة الشريعة وحنيفية الاعتقاد، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاديان احب الى الله؟ قال: «الحنيفية السمحة» أخرجه احمد.
ومن استبدل بهذه الوسطية الغلو في الدين وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه المؤمنين من الاستهانة بحرمة الدماء المعصومة للمؤمنين وكذلك المعاهدون.
قطاع طرق
وما الحكم الشرعي لهؤلاء المتشددين؟
٭ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة او يدعو الى عصبة او ينصر عصبة فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على امتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه»، اخرجه مسلم.
فهؤلاء الغلاة المتشددون هم قطاع طرق يقطعون الناس من الوصول لمحاسن الدين ويشوهون جمال وجهه الحسن ويعبثون بسماحة احكامه التي شرعها رب العالمين، وقد توعدهم النبي صلى الله عليه وسلم لو ادركهم لقتلهم قتلة الامم الماضية، فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال «بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبية في تربتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اربعة نفر: الاقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم احد بني كلاب وزيد الخيل الطائي ثم احد بني نبهان، قال: فغضبت قريش فقالوا: اتعطي صناديد نجد وتدعنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اني انما فعلت ذلك لأتألفهم، فجاء رجل كث اللحية، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطيع الله ان عصيته؟ أيأمنني على اهل الارض ولا تأمنوني؟ قال: ثم ادبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان من ضئضئي هذا قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد».
التنطع
وما حكم المتنطعين في الدين؟
٭ التنطع هو اقبح المسالك، هو مظلم كسواد الليل الحالك، فمن سفاح الظلم والجهل تولد تنطع العقل والقول الذي غدا ظاهرة عالمية، فهو لم ينتسب في زمان من الازمنة ولا في مكان من الامكنة الى ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فأصله التشدد الذميم للمسرب الاعرج وعرقه، التعصب السقيم للمسلك الاعوج ونسبه التوغل الوخيم للمذهب الاهوج.
الوحدة الوطنية
ما دور الدعاة وعلماء الدين في تفعيل الوحدة الوطنية لدى الشباب؟
٭ لخطبة الجمعة دور مهم في حث المصلين على الوحدة الوطنية والاستفادة من الدروس الشرعية ومن احداث التاريخ الاسلامي، وقد تم فعلا اعداد سلسلة من الخطب التي تدعو المصلين للتمسك بحال السابقين من الاولين من آل البيت الاطهار والصحابة الطاهرين والاقتداء بروح المحبة والـولاء في الدين، كما تتطرق خطبة الجمعة الى قراءة تاريخ امتنا والتعرف على العلاقة الحميمية القائمة على المحبة والقرابة بين آل البيت الاطهار والصحابة الابرار، وتوضح ايضا الخطب فضائل آل البيت ومكارمهم المتكاثرة وكيف بلغ البر والاحسان بآل البيت بأبيهم محمد صلى الله عليه وسلم الى محبة ومودة صحابته رضي الله عنهم.
ونحن نعلم جميعا ان وحدتنا الوطنية لا تقبل الافتراق ولا الشقاق.
الحنيفية السمحة
وبماذا توصي الشباب المسلم؟
٭ أوصيهم بلزوم حنيفية الاسلام السمحة ووسطية الدين، فمن خرج منها خرج ولا بد لهلاك المتنطعين، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون»، قالها ثلاثا، اخرجه مسلم، والكويت جبلت على التدين المكتنف بالوسطية والاعتدال ودرج اهلها منذ القدم على نبذ جميع مسالك العنف وشتى طرق الضلال.