- الخراز: لا يُمنع المؤمن من الاستفادة من خبرات غير المسلمين بما يعود عليهم بالخير
- الهجرة جرت بعناية من الله بعد أن اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كل ما ينبغي من جهود بشرية لازمة
- نور الله لا تُطمس معالمه وإن اجتهد الكفار والطغاة في إبقاء ظلام الكفر والشرك
|
الشيخ خالد الخراز |
في كل عام نعيش ذكرى هجرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم المليئة بالدروس الكثيرة والعبر المتعددة التي يتعلم منها المسلم الكثير، هذه الدروس التي يتجلى فيها صدق الإرادة وقوة الإيمان وفرقت بين الحق والباطل والخير والشر وفصلت بين الهدى والضلال والنور والظلام بما تحمله من معان ودروس ننهل من بعضها من خلال هذه اللقاءات.
يضع الشيخ خالد الخراز يده على بعض العبر والدروس من الهجرة فيقول: ان التحولات التاريخية في حياة الأمم عبارة عن نتيجة حتمية لإيمان راسخ يعتلج في صدر أحد القادة فيتحرك لتنفيذه متسلحا بكل ما يستطيع من وسائل الحرب لتحقيق ما يريد من التوسع وبناء الملك وقد ينجح في ذلك، يدفعه الى ذلك بناء الأمجاد له أو لجماعته أو أمته، وقد يصل الى ما يريد بقوة السلاح، وقد حصل ذلك بالقوة في دولتي فارس والروم، ولم تستمر هذه الدول اذ طواها الزمن ولم يُكتب لها البقاء، غير ان الرسالة النبوية التي انطلقت في ظلال دعوة عظيمة شعارها التوحيد وافراد الله بالعبادة، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، واخراج الناس من الظلمات الى النور، وكانت انطلاقتها بأمر من الله سبحانه وتأييد منه بعد ان بعث في الأمة رسولا منهم ليخرجهم من ظلام الباطل الى نور الحق.
قال تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين) ـ الجمعة: 2.
وقال تعالى (ومالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم ان كنتم مؤمنين، هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم) الحديد: 8 و9.
وتوجت جهود البشير النذير صلى الله عليه وسلم بالنجاح والفلاح على كل صعيد، وبنيت دولة الإسلام، وان تلك الجهود تأتي في الذروة منها الهجرة النبوية التي كانت عملا نوعيا مؤيدا من الله سبحانه حيث انتقل النور من بلد أبى ان يستنير بنور التوحيد في تلك الآونة الى بلد آخر آثره الله ليكون دارا للهجرة.
ان هذه الهجرة جرت بعناية من الله سبحانه ورعاية منه بعد ان اتخذ نبينا صلى الله عليه وسلم كل ما ينبغي من جهود بشرية لازمة، وعندما نمعن النظر في هذه الهجرة نجد فيها دروسا وعبرا كثيرة، وقد أثنى الله سبحانه على المهاجرين كذلك في آيات كثيرة منها قول الله عز وجل: (ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) ـ البقرة: 218.
وقال سبحانه (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) ـ آل عمران: 195.
دروس وعبر
والناظر للهجرة النبوية يستخلص منها الدروس والعبر والتي منها: ان نور الله تعالى لا تطمس معالمه، وان اجتهد الكفار والطغاة في إبقاء ظلام الكفر والشرك (والله غالب على أمره) ودليل ذلك عدم تمكن كفار قريش من إطفاء نور الحق، لأن الله سبحانه متم نوره ولو كره الكافرون.
كما عاش المسلمون فترة عصيبة في مكة وتم اضطهادهم والتنكيل بهم، واضطروا للهجرة اضطرارا من بلادهم التي ألفوها وأحبوها وولدوا بها وصعب على النفوس ترك البلد الذي نشأوا به لاسيما وهو مكة المكرمة، وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي اخرجوني منك ما سكنت غيرك» رواه الترمذي (3926) وصححه الألباني، وهذا درس لكل داعية الى الحق من ان الظروف قد تضطره الى ركوب المصاعب ومجابهة الويلات كي يظفر بالنتيجة المرجوة ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
ونجد ان الصراع مهما امتد أجله فالعاقبة للمتقين، والنصر للحق بإذنه تعالى، والباطل الى زوال، لكن ذلك يحتاج الى صبر ومثابرة واستعانة صادقة بالله تعالى، وان النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا.
وأيضا احساس المسلمين بروابط العقيدة رغم تباعد الأمكنة، وربما تطاول الأزمنة، ويتجلى ذلك من خلال هجرة أهل مكة واستقبال الأنصار لهم في المدينة على حب منهم، قال جل وعلا: (والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) ـ الحشر: 9، وفي هذا درس بليغ بالتضحية من أجل هذا الدين، وحب الصحابة الكرام الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
كما ان اتخاذ الأسباب البشرية لكل خطوة يخطوها الداعية أمر لازم، واعداد العدة لكل أمر حاسم من أهم أسباب النجاح، فالعمل المرحلي في حياة الداعية لابد له من اعداد، خاصة اذا تعلق الأمر بالانتقال الى بيئة جديدة، كما ان التخطيط الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم وسعى له في هجرته درس لكل من يرجو الفلاح، فاتخاذ إجراءات احترازية مع التخطيط والمحافظة على سرية العمل من أساسيات النجاح.
مواقف
وأضاف: اننا نرى الجهود المشتركة مهمة ونافعة في تحقيق الأهداف ويتجلى ذلك في دور علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، كما ان دور أسماء بنت أبي بكر ظاهر جلي في ايصال الزاد الى غار ثور، فأبوبكر الصديق من جهة، وعلي من جهة، وأسماء بنت أبي بكر من جهة، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يريح عليهما غنما لأبي بكر، وكان عبدالله بن أبي بكر يتسمع ما يقال بمكة، ثم يذهب اليهما بذلك في غار ثور، فيحترزان منه في تعاون فريد قائم على البر والتقوى وهو درس لكل لبيب.
وأكد ان هذا لا يمنع المؤمن من الاستفادة من خبرات غير المسلمين بما يعود عليهم بالخير، ومن ذلك ان رسول صلى الله عليه وسلم استأجر عبدالله بن أريقط الليثي، وهو كافر ولم يعرف له إسلام وكان هاديا ماهرا في معرفة الطريق عارفا بشعابها، والقائد الناجح هو الذي يكسب من بين صفوف الكفار من ينتفع به المسلمون عند اللزوم.
وأضاف: يخدم الدعوة اعداؤها من غير قصد، وهذا يظهر في أمر ابن اريقط، فقد أمناه على ذلك، مع انه كان على دين قومه، وسلما اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث.
وزاد: ونرى ان حسن الصحبة أمر مفيد للصاحب خاصة في أوقات الشدائد وهذا ما حصل في اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، كما ان الداعية المخلص صادق يستنفد جهده وماله في سبيل الدعوة، كما صنع الصديق بنفسه، وماله، وأهله، ورواحله.
وان الثقة بالله تعالى انه ناصر رسوله ودين الحق، وقادر على انقاذه من طلب الكفار وحصارهم له قال تعالى (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) ـ التوبة: 40.
|
الشيخ د.محمد النجدي |
النجدي: أهل الكذب والنفاق سرعان ما يضعفون عند الشدائد
يعرض الشيخ د.محمد الحمود النجدي بعض الدروس والعبر من الهجرة النبوية بقوله: الناظر في الهجرة النبوية الشريفة، يلحظ فيها حكما باهرة، وأحكاما زاهرة، ودروسا عظيمة، وعبرا وعظات مباركة، يجب عليه أن يستفيد منها، ويستخلص الفوائد الجمة التي ينتفع بها الأفراد والجماعات، بل والأمة جميعا، فمنها:
التضحية
فالرسول صلى الله عليه وسلم اضطر إلى مغادرة بلده الذي ولد فيه وترعرع، ووطنه الذي نشأ فيه وتربى، وترك أهله وأقرباءه وعشيرته، وقال وهو يغادرها بنبرة من الحزن والأسف: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت». رواه الترمذي.
وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، وعلى رأسهم الصديق أبوبكر رضي الله عنه، رفيقه في الهجرة، وصاحبه في الغار.
حتى أم سلمة رضي الله عنها وقصتها مشهورة أول امرأة مهاجرة في الإسلام.
وهذا صهيب الرومي رضي الله عنه، لما أراد الهجرة، قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: «أرأيتم إن جعلت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟» قالوا: نعم، قال: «فإني قد جعلت لكم مالي»، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ربح صهيب».
فأخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم المقيم.
الأخذ بالأسباب
واكد اهمية الجمع بين الأخذ بالأسباب، والتوكل على الله تعالى، وهذه هي شريعة الإسلام، فالتوكل على الله من أعمال قلوب المؤمنين، ومع ذلك لا تهمل الأخذ بالأسباب والعمل النافع.
ويتجلى ذلك من خلال عدة مواقف، منها: استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في فراشه، حيث لم يهاجر معه إلى المدينة، وكذا اصطحاب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه في الرحلة.
ويتجلى كذلك في استعانته بعبدالله بن أريقط الليثي وكان خبيرا ماهرا بالطريق.
ويتجلى كذلك: في كتم أسرار مسيره وهجرته صلى الله عليه وسلم إلا لمن لهم صلة ماسة من أهله، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتا إليها بل كان قلبه مطويا على التوكل على الله عز وجل.
الثقة بالله
لا لليأس من روح الله تعالى: فقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة، يدعو قومه إلى دين الحق والهدى، سرا وعلانية، فما آمن له إلا قليل، وعانى الظلم من قومه والاضطهاد والنكال، وعذب هو وأصحابه، فلم يكن ليثنيه كل ذلك عن دعوته، بل زاده إصرارا وثباتا على دينه وعقيدته وإيمانه، ومضى يبحث عمن يقف معه ويسانده ويعينه.
التقوى
وشدد على اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين: فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي، يظن أن الدعوة الإسلامية قد انتهت أو هي إلى زوال واضمحلال.
ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درسا واضحا في أن العاقبة للتقوى وللمتقين.
وهكذا الداعية إلى الله، والمجاهد في سبيل الله، عليه أن يثبت في وجه أتباع الباطل والشر، ولا يهن ولا يضعف في دفعهم وتقويم اعوجاجهم، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجلهم، فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا، والذين هم مصلحون من عباد الله المتقين.
وأكد أن من حفظ الله حفظه الله ويؤخذ هذا المعنى من حال النبي صلى الله عليه وسلم لما تآمر عليه زعماء قريش من المشركين، ليعتقلوه ويسجنوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فأنجاه الله عز وجل منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب، وخرج من بينهم سليما معافى.
وهذه سنة الله الماضية، فمن حفظ الله حفظه الله، وأعظم ما يحفظ به أن يحفظ في دينه، وهذا الحفظ شامل لحفظ الدين والبدن والمال والولد والعرض وغيره، وليس بالضرورة أن يعصم الإنسان، فلا يخلص إليه أذى البتة، فقد يصاب به لترفع درجاته، وتقال عثراته، ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة.
وإن النصر مع الصبر، فالمعركة عندما تطول مع أهل الباطل، فإن الغلبة والنصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة، إذا تحلوا بالصبر والثبات على المبدأ، فالعاقبة تكون لأهل الحق، كما قال الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: (استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) الأعراف: 128.
وزاد موضحا من معاني الهجرة للمسلمين عامة هجرة الذنوب والمعاصي والسيئات، وأعظمها: هجر ما يعبد من دون الله تعالى من الأنداد والأصنام والأوثان، قال تعالى: (والرجز فاهجر) المدثر: 5.
وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» متفق عليه.
وهذه الهجرة تكون في كل زمان ومكان، وباقية إلى قيام الساعة. وكذا هجر العصاة، ومجانبة مخالطتهم، قال الله تعالى: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا) المزمل: 10، وهو الذي لا عتاب فيه.
|
الشيخ د.محمد طاهري |
طاهري: الهجرة من الوطن أصعب من هجرة المعاصي ونحن نعيش في نعمة الأوطان فلم لا نهجر المعاصي؟
يوضح د.محمد طاهري أهم الدروس المستفادة والتي منها: وجوب ترك الأوطان إذا لم يقدر المسلم على إقامة شرع الله تعالى وأن الهجرة تاريخ عظيم للأمة فبعدها كان قيام دولة الإسلام في المدينة وأن الهجرة النبوية تشريع عظيم للأخذ بالأسباب، فقد هاجر عليه السلام واتخذ في هجرته صاحبا ومركوبا ودليلا واختفى في الغار حتى يخفي الآثار.
كما أن الهجرة من الوطن اصعب من هجرة المعاصي وهذا لنا فيه درس ان رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا كان هجر وطنه فنحن نعيش في نعمة من الله في الأوطان، فلم لا نهجر المعاصي ونتبع السنّة والآثار؟
واشار د. طاهري إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل ولا أصحابه بالهجرة مع كونها نقطة تحول تاريخي في تاريخ الأمة وبهذا يجعلنا نتبع السنّة.