سورة مكية يخبرنا الله تعالى فيها بأحوال الغابرين حتى نعتبر ونتعظ فالقصص القرآني جاء للتربية ويظهر أثر ذلك على سلوك المسلم، حيث جاء ابراهيم عليه السلام الملائكة فسألهم عن مهمتهم فأجابوه بأن الله أرسلهم لإهلاك قوم لوط بسبب إجرامهم (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) والمجرم من الجرم وهو قطع ثمر الشجرة قبل النضج ويكون معنى الجرم هو الذي يأتي بالأعمال البغيضة الممقوتة، واكتفوا بهذا القدر من الجواب لأن إبراهيم عليه السلام يعلم ان الملائكةأُرسلوا الى المجرمين، كان ذلك لهلاكهم وإبادتهم ومما يبين هذا قوله (إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين) أي إلا أتباع لوط في الدين فلن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا ان نعذب به قوم لوط (إلا امرأته كانت من الغابرين) أي لا نهلك آل لوط وأتباعه إلا امرأته فقد قضى الله انها من الباقين مع الكفرة ثم هي مهلكة بعد ذلك معهم، فالذين اتبعوا الشيطان مآلهم الى النار، وأخبرنا الله تعالى بأن هذه النار جهنم لها سبعة أبواب لكل جزء منها قسم، قال ابن جرير أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم سعير ثم الجحيم ثم الهاوية.. وهي بمنازل أعمالهم.
ويبين لنا الله تعالى حال المتقين (ان المتقين في جنات وعيون) والتقوى اسم جامع ان تعمل بأمر الله وتنهى عما نهى الله رغبة فيما عند الله وخوفا من عذابه، ولغة التقوى: اتقاء الشيء أي تجعل حاجزا بينك وبين الشيء الذي تخافه.
هؤلاء المكرمون وصفهم الله بالمتقين، والتقوى هي العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل، فإذا دخلت إن على الجملة فإنها تفيد التوكيد، فافرح ايها المؤمن ان الله أعد لك خيرا كثيرا (ادخلوها بسلام آمنين)، (وتتلقاهم الملائكة).
يخبرنا الله بأن أهل الجنة فيها الحب السائد بين سكانها بينما أهل النار فيها الغل والكراهية فهم يكرهون بعضهم البعض ويبكت بعضهم الآخر .
اما في الجنة فلا يريدون فراق الآخر فطاب المكان وطاب من في المكان فلا تهتم أيها المسلم بأي تعب في الدنيا ولا تغتر بزيف فإن المتقين في جنات وعيون، ثم اخبرنا الله تعالى بأنه الغفور الرحيم وان عذابه هو العذاب الأليم. فالغفور تفيد الاستغراق والله لا يتعاظم مع مغفرته ذلك الا من اختار الشرك، والرحيم كتبها الله على نفسه اخبرهم عن صفات فإذا علموا انه غفور وانه رحيم سعوا الى هذه الأسباب وهذه حقيقة الرجاء فهو الباعث على العمل والطمع في مغفرة الله ورحمته فيسعون اليه، وإياك ان تتكل على رحمة الله دون الأخذ بالأسباب المؤدية الى رحمته بقوله تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) ورد في الآية الأولى منها المغفرة والرحمة وفي الثانية العذاب بما ورد قبلها من ذكر الجنة والنار وبما بعدهما من قصتي ابراهيم ولوط عليهما السلام. فقد جاءت الآيات بالرحمة وانتهت بالمغفرة (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) وانتهت بالمغفرة والرحمة ونعيم الجنة. اما العذاب فقد تأخر ذكره لأن مظهر العذاب في الآيات السابقة عليه متأخر (إلا من اتبعك من الغاوين، وان جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم). لقد كانت عقول قوم لوط متعلقة ومتخبطة ومنغمسة في دوامة الغفلة فما كان في مقدورهم ان يصبروا عن شهواتهم ولهذا قال تعالى (انهم لفي سكرتهم يعمهون) ويعمهون تعني التردد والضلال والتيه، وتدل ايضا على عمى البصيرة والفطنة، فكان أن اخذوا على حين غرة، والأخذ المفاجئ عذاب اضافي في هذه الحالة.
ان فيما جرى لقوم لوط (لآيات للمتوسمين) أي لكل ذي لب وتأمل وتفكر لكل من يبحث عن الحق ولكن الذين تهديهم ألبابهم الى تبيان الحق والتمسك به هم المؤمنون الذين يعتبرون بما يلحظون ولهذا نص عليهم في قوله (وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين).