إن الرب سبحانه قد ذم العبد الكنود، وهو الذي لا يشكر نعمة ربه الودود، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: في قول الله تعالى: (إن الإنسان لربه لكنود): «يعد المصائب، وينسى النعم».
يا أيها الظالم في فعله
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى
تشكو المصيبات وتنسى النعم؟
فعود لسانك دوما حمد الله، وتحدث بجوارحك بنعم الله، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها» أخرجه مسلم.
وقد أثنى الله تعالى على أول المرسلين، وهو نوح عليه السلام في كتابه المبين: فقال: (ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا).
قال سعد بن مسعود الثقفي رحمه الله تعالى: «إنما سمي نوح عبدا شكورا: لأنه لم يلبس جديدا، ولم يأكل طعاما: إلا حمد الله».
فإذا أنعم الله تعالى عليك بنعمة فأظهرها بلسانك شكرا، ولتر أثر نعمة مولاك عليك لا مخيلة ولا سرفا ولا فخرا، فعن مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال: ألك مال؟ قال: نعم.
قال: من أي المال؟ قال: قد أتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق.
قال: فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» أخرجه أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي.
وهذا الحديث كما أنه وارد في نعمة الثياب: فإن التحدث يعم أيضا نعمة الطعام والشراب، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، إن الله يحب أن ترى نعمته على عبده» أخرجه أحمد.
فهذا هو تفسير التحدث بنعم البر الكريم، الذي جاء ذكره في محكم الذكر الحكيم: (وأما بنعمة ربك فحدث).
وإن من مضى من سلف الأمة الأول، الذين على نهجهم الصالح المعول: قد اشتد خوفهم من الإخلال والقصور، بالقيام بشكر ما أنعم به الرب الشكور، قال عبدالله بن عمر بن عبدالعزيز رحمهما الله تعالى: «ما قلب عمر بن عبدالعزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال: اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا، وأن أكفرها بعد أن عرفتها، وأن أنساها ولا أثني بها».
وقال صغدي بن أبي الحجر رحمه الله تعالى: «كنا ندخل على المغيرة بن محمد فنقول: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو عنا غني، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون».
ربنا اجعلنا لك شكارين، لك ذكارين، لك رهابين، لك مطيعين، إليك مخبتين، إليك أواهين، منيبين.
ربنا تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، وثبت حجتنا، واسلل سخيمة قلوبنا.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.