- هل هناك أفضل من أمهات المؤمنين وبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الكريمة بنت الكريم فاطمة كانت تخدم زوجها؟!
- العرف الذي كان قائماً أن المرأة لا تخدم زوجها فقط إنما تخدم من يعولهم
- خدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة
يرى بعض الفقهاء ان خدمة المرأة لزوجها من باب التطوع يؤيده رأي في الفقه المالكي، عملا بأن الزوجة للاستمتاع فقط يقابله رأي آخر يقول انه باب الواجب فهل خدمة المرأة لزوجها واجبة؟ يجيبنا عن هذا التساؤل رئيس لجنة الفتوى بجمعية إحياء التراث الإسلامي الداعية د.ناظم المسباح.
الذي نراه - والله أعلم - انه يجب على المرأة ان تقوم بخدمة زوجها بالمعروف، وفق قدرتها وطاقتها لأن هذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فيما يظهر لنا.
الدليل على ذلك:
عن عائشة- رضي الله عنها- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد، فأتي به فضحى به، فقال: «يا عائشة، هلمي المدية»، ثم قال: «اشحذيها بحجر» ففعلت، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال: «بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد» ثم ضحى به صلى الله عليه وسلم .
والشاهد في الحديث قوله «هلمي المدية، اشحذيها بحجر» فكان يأمر نساءه بخدمته وكن يقمن بذلك رضي الله عنهن.
وفي «الصحيحين»: ان فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته، قال عليّ فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: «مكانكما» فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم.
قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
وفي الحديث حكم صلى الله عليه وسلم على فاطمة - رضي الله عنها - بالخدمة الباطنة: خدمة البيت من طبخ وفرش وأعمال البيت كله.
ولو كانت على علي - رضي الله عنه - لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك.
وعن أسماء انها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت احتش له، وأقوم عليه رواه أحمد في مسنده.
وفي صحيح البخاري قالت أسماء بنت أبي بكر: «فكنت اعلف فرسه واستقي الماء وأخرز عربه واعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق. وكنت انقل النوى من أرض الزبير التي اقطعه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ».
قال الحافظ: استدل بهذه القصة على انه على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة وإليه ذهب أبو ثور، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «هلك أبي وترك سبع بنات، أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم فقال: بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا.
قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ وتضاحكها وتضاحكك؟ قال جابر: فقلت له: ان عبدالله - أبا جابر - هلك وترك بنات واني كرهت ان أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: بارك الله لك، أو خيرا».
ويمكن أن يؤخذ من الحديث ان العرف الذي كان قائما في زمنه صلى الله عليه وسلم ان المرأة لا تخدم زوجها فقط، وإنما تخدم من يعولهم كذلك، حيث لم ينكر صلى الله عليه وسلم على جابر مقصوده من زواجه بالثيب فمن باب أولى فمن عرفهم قيامها بخدمة زوجها.
ذكر ابن القيم حجج من قال بوجوب خدمة المرأة لزوجها في كتابه زاد المعاد، قال رحمه الله: واحتج من أوجب الخدمة، بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأما ترفيه المرأة، وخدمة الزوج، وكنسه، وطحنه، وعجنه، وغسيله، وفرشه، وقيامه بخدمة البيت، فمن المنكر.
والله تعالى يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) - البقرة 228 - وقال: (الرجال قوامون على النساء) - النساء 34 - وإذا لم تخدمه المرأة، بل يكون هو الخادم لها، فهي القوامة عليه.
وأيضا فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا يرده ان فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها، والزبير معه، لم يقل له: لا خدمة عليها، وان هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ذكر من قال من علمائنا بوجوب خدمة المرأة لزوجها:
ذهب الحنفية بوجوب خدمة المرأة لزوجها، وفي بدائع الضائع قال الكاساني الحنفي: ولو استأجر امرأته لتخدمه كل شهر بأجل مسمى لم يجر لأن خدمة البيت عليها فيما بينها وبين الله تعالى، لما روي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، وما كان خارج البيت على علي رضي الله عنه، فكان هذا استئجارا على عمل واجب فلم يجز، ولأنها تنتفع بخدمة البيت، والاستئجار على عمل ينتفع به الأجير غير جائز.
وقد أوجب بعض المالكية خدمة الزوجة لزوجها إذا كان الزوج فقيرا، ففي كتاب الخرش على مختصر سيدي خليل: كان زوجها فقير الحال ولو كانت أهلا للاخدام فإنه يلزمها الخدمة في بيتها بنفسها أو بغيرها من عجن وكنس وفرش وطبخ واستقاء ماء من الدار أو من خارجها إن كانت عادة بلدها.
وفي كتاب «إرشاد السالك»: وعليها من خدمته ما يخدم مثلها، قال الكشناوي: يعني من حق الزوج على زوجته أن تخدمه خدمة مثلها في المنزل.
كما ذهب الى القول بوجود الخدمة أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو اسحاق الجورجاني، ذكر ابن قدامة في المغني.
وقال ابوثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء.
كما اختار شيخ الإسلام ابن تيمية القول بوجوب خدمة المرأة لزوجها.. قال رحمه الله في الفتاوى: وتنازع العلماء: هل ان تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب والخبز، والطحن، والطعام لمماليكه، وبهائمه مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة، وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء، فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحة لم يكن قد عاشره بالمعروف، وقيل - وهو الصواب - وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأن ذلك هو المعروف، ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف، وهذا هو الصواب، فعليها ان تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة. والله أعلم.