بقلم: أ.د. وليد العلي
تأملوا في شفقة ملك مصر على بلاده التي أوشكت على الهلاك، فلو أن له ما في الارض جميعا ومثله معه لسعى جاهدا لها بالفكاك، فلما اطمأن الملك لأهلية يوسف الصديق عزم على ان يخرجه من السجن والضيق، (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم).
فما ازداد الملك بيوسف بعد ان حصحص الحق إلا إعجابا، كيف ابت قوة نفسه وأمانتها ان يخرج او ان يجيب له خطابا؟ (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين).
فلا والله ما تدري العين قرتها حقا بأي الرجلين؟ من رجل قد استوى على عرش الملوك ويرتجي من هو في نظره العبد المملوك، ومن رجل من اهل مصر وابن بجدتها يستنجد بغريب الدار ناء عن محلتها ومن رجل مشرك ليس له رب يقصده يستعين بموحد قد اتخذ إلها واحدا يعبده.
وإن تعجب من حال هذا الملك الشفيق فعجبٌ والله من حال يوسف الصديق، كيف يفتح له باب السجن الضيق للخروج، وتفتح له ابواب القصر ويؤذن له في الولوج، ويوسف يمتنع عن مرافقة الرسول ويأبى ان يجيب الداعي، حتى يعرف الملك اسباب سجنه ويتعرف على الدواعي (فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي» أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفي رواية احمد: «لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغيت العذر».
فقارن بين حال ملك مصر الذي اختار لمصالحها من لا يتوافق معه بوجه من الوجوه وبين حال من هو ضيق العطن لا يرى الخيرية إلا فيمن يؤمله لمصالح نفسه ويرجوه.
فمتى سنخرج الانصاف من سجن الاعتساف؟ وندرك وقتها قبل فوات الأوان ان مصالح البلاد تسبق حظوظ النفس ومصالح الأهل والأولاد؟
ثم قارن بين حال يوسف عليه السلام الذي أبى أن يخرج في ظلمة ليل التهمة حتى تشرق شمس البراءة وبين الزاعم بأنه سيحفظ حقوق الآخرين وما استطاع أن يحفظ دينه من التهمة أو خلقه من الدناءة.
فيستفاد من قصة يوسف عليه السلام وصفا الحفظ والعلم وهما من أجلّ الأوصاف، كما يستفاد من قصة موسى عليه السلام وصفا القوة والأمانة وهما واسعا الأكناف.