- إذا لم يستطع المسلم أن يُقيم شعائر دينه في موطنه يجب أن يهجره إلى موطن آخر
- لا يجوز أن نجعل المواطنة بديلاً لرابطتنا العقدية مع المسلمين عرباً وعجماً في أنحاء العالم الإسلامي
كيف تعامل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع مفهوم الوطن والمواطنة؟ وكيف أكد الاسلام على قيمة الوطن واعلاء المواطنة؟ وما واجبات المسلم تجاه وطنه؟ وما حقوق المواطن على وطنه؟ هذا ما يوضحه لنا رئيس لجنة الفتوى في جمعية احياء التراث الاسلامي د.ناظم المسباح فيقول: يعرف الوطن بأنه المنزل الذي تقيم فيه، وهو منزل الانسان ومحله والجمع أوطان، قال تعالى (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ـ التوبة: 25)، وقال الجُرجاني: الوطن الاصلي هو مولد الرجل والبلد الذي هو فيه، ووطن الاقامة هو موضع ينوي ان يستقر فيه 15 يوما او اكثر من غير ان يتخذه مسكنا، قال ابن مبارك: ان من اقام في مدينة اربع سنين فهو من اهلها، والوطنية صفة، وهي: العاطفة التي تعبر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا ان يكون ولاء المرء المسلم لبلده من اجل كلمة التوحيد الظاهرة وشرائع الدين المطبقة.
فكانت مكانة مكة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «ما اطيبك من بلد وما احبك الي، ولولا ان قومي اخرجوني منك ما سكنت غيرك».
وكان دعاء ابراهيم عليه السلام لمكة موطن ذريته الدعاء للوطن: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ـ إبراهيم: 37).
وأضاف: ونحن نعلم جميعا مكانة مكة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم: «ان الله تعالى سمى المدينة طابة»، رواه مسلم عن جابر بن سمرة، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنها طيبة»، رواه مسلم عن زيد بن ثابت، وفي هذا اشارة لحبه صلى الله عليه وسلم لها، عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة انه قال: كان الناس اذا رأوا اول الثمر جادوا به الى النبي صلى الله عليه وسلم، فاذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدّنا، اللهم ان ابراهيم عبدك وخليلك ونبيك واني عبدك ونبيك وانه دعاك لمكة واني ادعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه»، قال: ثم يدعو اصغر وليد له فيعطيه الثمر، رواه مسلم.
مفارقة الأوطان بلاء
ولفت د.المسباح الى ان مفارقة الاوطان بلاء جعلها الله عقوبة لقطاع الطرق (أو ينفوا من الارض ـ المائدة: 33)، كما ان فراق الاوطان معاول لقتل النفس، قال تعالى (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم او اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ـ النساء: 66).
وقد جعل الله تعالى من الفيء نصيبا للمهاجرين لأنهم هجروا الوطن من اجل الله ومن اجل نصرة دينه، وهذا أمر يشق على الانسان تحمله، ففي الآية اشار الى ما للاوطان من مكانة في نفوس اهلها، قال تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ـ الحشر: 8).
القتال
وحول مُسوغات القتال في الدين، القتال من اجل الاخراج من الوطن، قال تعالى (ألم تر الى الملأ من بني اسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ـ البقرة: 246).
وأكد د.المسباح ان قيام الدين في الوطن مقدم على كل شيء، فاذا لم يستطع المسلم ان يقيم شعائر دينه في موطنه يجب عليه ان يهجره الى موطن آخر يستطيع في ان يقيم شعائر دينه، اوجب الله الهجرة على كل مستطيع من المسلمين، قال تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ـ آل عمران: 195)، وفي هذه الآية الكريمة ترغيب في هجر الاوطان التي يسودها الشرك والظلم ومحاربة الدين واهله.
الكويت وبس
وزاد بقوله: الكويت وبس، ان الوطن في الاسلام هو العالم الاسلامي بأراضيه المترامية وتضاريسه الممتدة، مهما كبر وتوسع فلا يجوز الانقطاع عن الموطن الاسلامي الكبير والتقوقع على الوطن الصغير الذي يعيش فيه الانسان، ولا يجوز ان نجعل المواطنة بديلا لرابطتنا العقدية مع المسلمين عربا وعجما في انحاء العالم الاسلامي، ولا يجوز اقصاء المصطلحات الاسلامية نحو الجهاد، دار الاسلام، دار الكفر، وتمييع الدين وشرائعه بهذا المفهوم للوطنية.
واكد على اداء العمل الذي وكل الى الفرد من قبل الدولة بإتقان واخلاص، قال صلى الله عليه وسلم: «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا أن يتقنه».
وشدد على واجبنا تجاه الوطن بالحرص على امنه، فكل واحد منا راع، قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، وان نحافظ على الممتلكات العامة للوطن وان ننصح اهله، قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة»، وان يعمل كل فرد فيه على رقيه وتقدمه.