تلك السورة التي يسلي بها الله نبيه الكريم، فيخاطب الله تعالى موسى عليه السلام بربوبيته حتى يطمئن قلبه وتأنس نفسه.
قال تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى) هذا من متابعة الإيناس لموسى فإن إطالة الحديث تذهب الوحشة في النفس وتشعر بالطمأنينة (قال هي عصاي أتوكأ عليها...) استرسل موسى في الحديث، وهكذا حال المحب مع من يحب يريد ان يستمر في الحديث.
قال سبحانه (فألقاها فإذا هي حية تسعى) هناك أوصاف أخرى لهذه العصا قال تعالى (كأنها جان) في موقع آخر، ولا تناقض في هذا فالجان لغة هو صغيـر الحية وكأن الحية الصغيرة التي تهتز أصبحت ثعبانا كبيرا وكلها أطوار واحدة (قال خذها ولا تخف) يأتيه الأمر ممن آنس بالحديث وطمأن قلبه منذ قليل فاطمأن الى ربه وأخذها (قال لا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) أي الى حالها التي تعرف قبل ذلك (فإذا هي حية تسعى) أي صارت حية عظيمة ثعبانا طويلا يتحرك سريعا.
برهان آخر
(واضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى...) أمره الله ان يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء منيرة مضيئة من غير برص ولا أذى.
سؤال موسى لربه
فلما أتاه التكليف بالرسالة وأيده الله بالآيات والمعجزات جاء الأمر بالدعوة ولم يقل موسى عليه السلام كيف اذهب ولكن سأل الله تعالى التأييد والعون على هذه المهمة قال (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) وذلك لما كان أصابه من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فسأل الله تعالى ان يكون فصيح اللسان منطلقا حتى اذا تكلم اسمع.
حقيقة الأخوة في الله
طلب موسى عليه السلام النبوة لأخيه (اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي) لكي (اشدد به أزري) ظهري (وأشركه في أمري) أي في مشاورتي (كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا) هذا هو المعيار الذي يخبرنا الله تعالى على لسان نبيه حتى يساعده أخوه ابن أمه في أمر الدعوة وحتى يذكر بعضنا بعضا، ولا يجمعنا إلا الله.
أدب الربوبية
لما سأل موسى عليه السلام ربه بأدب الربوبية ثم سأله العون وانكسر بين يدي الله أتته الاجابة عند النداء فامتن الله عليه في ذلك (ولقد مننا عليك مرة أخرى) فالقلوب تستعبد بالإحسان، كانت اجابة ربه عز وجل وتذكيره بنعمه السالفة عليه فيما كان من امر أمه حين كانت ترضعه وتخاف عليه ان يقتله فرعون فاتخذت له تابوتا وأرسلته في البحر. ام موسى وثقت بربها وجاءها الوعد والبشارة (إنا رادوه إليك).
جند الله
(وألقيت عليك محبة مني) وضع الله تعالى المحبة في قلوب الخلق لأن هذه المحبة تنشأ عن محبة الله عز وجل للعبد.
(إذ تمشي اختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها) يأبى الله عز وجل الا ان من يرضع موسى هي أمه (قالت هل أدلكم) القلوب مشغولة بمحبة الله فجاء الجواب نعم، فما من احد رأى هذا الرضيع الا أحبه فما كان غياب موسى عن أمه الا رضعة وأخرى فأبشري يـا من وثقت بالله ان الله منجـز وعده. فرجـع الى أمه كي تسكن نفسها برضيعها. (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم) قتل نفسا ولكن خطأ فنجاه الله من القتل. (وفتناك) أي اختبرناك اختبارا شديـدا حتى اصطفيناك وعرفنا معدنك والفتون من فتنة النار، فأعد الله تعالى موسى عليه السلام إعدادا واختبره حتى شرف لحمل الرسالة كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل شائبة.
تمام الكمال
(اصطنعتك لنفسي) رباه الله في هذه الأطوار وكان موسى ينتقل في معية الله من مرحلة الى مرحلة حتى أصبح هذا الإنسان مصطفى من الله تعالى أي خصك بهذه العناية لكي تبلغ هذه الرسالة.
الأمر
(اذهب انت وأخوك) فعل أمر أي اذهب بحججي وبراهيني ومعجزاتي (ولا تنيا في ذكري) لا تفتر عن ذكر الله، بل يذكران الله في كل حال وفي حال مواجهة فرعون ليكون ذكر الله عونا لهما عليه وقوة لهما وسلطانا كاسرا له.
أدب الدعاة
(اذهبـا الى فرعـون إنه طغى فقـولا له قـولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) هذه الآية فيها عبرة عظيمـة وهي ان فرعـون في غاية العتو والاستكبـار وموسى نبي الله ومـع هذا أمـر ألا يخـاطب فرعون الا بالملاطفة واللين، فلو أن كل داعية كانت دعوتـه كهذه باللين واللطف لاستجـاب النـاس جميعـا.