- أدلة المنع: النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته لذا فالاحتفال يعتبر من البدع المستحدثة في الدين
- أدلة الجواز: إظهار الفرح والبشر بمولده صلى الله عليه وسلم أمر مستحسن مباح فيه فوائد كثيرة
- الرد على المنكرين: من العادات الإسلامية الحسنة التي تخدم الدين وتزيد محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين
كثير من المسلمين يحتفل بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام ظنا منهم ان هذا دليل محبته للنبي صلى الله عليه وسلم فقد أجمع العلماء على أنه لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بمولده ولم يأمر بذلك ولم يحتفل صحابته ولا التابعون ولا أتباع التابعين به وهم خير الناس وأحرص الناس على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، ومضت القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالأفضلية على تلك الحال لم يحتفلوا بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم.
لا يجوزفقد أكد العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ انه ليس للمسلمين أن يقيموا احتفالا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة 12 ربيع الأول ولا في غيرها، كما انه ليس لهم ان يقيموا اي احتفال بمولد غيره صلى الله عليه وسلم لأن الاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده في حياته وهو المبلغ للدين والمشرع للشرائع عن ربه سبحانه ولا امر بذلك ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه جميعا ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة.
فعلم انه بدعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق على صحته، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري جازما بها «من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد» والاحتفال بالموالد ليس عليه امر النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مما احدثه الناس في دينه في القرون المتأخرة فيكون مردودا، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة»، رواه مسلم في صحيحه وأخرجه النسائي بإسناد جيد وزاد: «كل ضلالة في النار» ويغني عن الاحتفال بمولده تدريس الاخبار المتعلقة بالمولد ضمن الدروس التي تتعلق بسيرته صلى الله عليه وسلم وتاريخ حياته في الجاهلية والإسلام في المدارس والمساجد وغير ذلك من غير حاجة الى إحداث احتفال لم يشرعه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقم دليل شرعي عليه.
أدلة الجوازأولا: ان يوم مولده صلى الله عليه وسلم من الأيام المشار إليها على وجه التبجيل والاعتبار في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى ذلك في مواطن عدة مثل اختياره صلى الله عليه وسلم صيام يوم الاثنين من كل أسبوع لاعتبارات عدة، ففي صحيح مسلم في حديث ابي قتادة قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام الاثنين؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه».
ثانيا: ان الله تعالى ذكر صراحة ميلاد كثير من الأنبياء ونوه بما في مولدهم من معجزات او اهمية فها هو القرآن الكريم يفيض في ذكر مولد ابينا آدم عليه السلام وكيفية خلقه العجيبة، كما يعرج في مواطن عدة على ذكر ميلاد موسى عليه السلام وتفصيلات رضاعته وحضانته ونشأته بصورة مفصلة، ومثل ذلك يفعل في سرد وتفصيل احداث ميلاد عيسى عليه السلام أفيكون بعد هذا الحديث عن ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا مستنكرا وبدعة؟ثالثا: في يوم مولده صلى الله عليه وسلم وقعت حوادث عظيمة تناسب مكانته وشرفه، وذلك معروف لأهل العلم، ونذكر ببعض تلك الحوادث فنقول ان منها، منع الجن من استراق السمع من السماء ومنها اهتزاز ايوان كسرى، وانطفاء نار فارس التي يعبدونها، ومنها بشارات كثير من الرهبان والكهان، فيوم مولده يستحق ان يشار إليه كيوم عظيم حفل بأحداث جسام.
رابعا: ان مولده صلى الله عليه وسلم كان فيه من الخصائص النبوية ما يستحق النظر والانتباه ومن ذلك ان امه لم تجد لحمله وحما ولا ألما، وذكر ابو نعيم الحافظ في كتاب «الحلية» بإسناده ان النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا.
خامسا: ان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والبشر بذلك كان سببا من اسباب الرحمة الإلهية ليس للمؤمنين فحسب بل حتى للكافرين فقد صح ان أبا لهب يخفف عنه العذاب كل يوم اثنين وهو في غمرات النار لفرحه بولادته صلى الله عليه وسلم وإعتاقه جاريته ثويبة التي بشرته بذلك، وإن جده عبدالمطلب قد اظهر المزيد والمزيد من الفرح بولادته حينما حمله وقام يطوف ويقول:الحمد لله الذي أعطانيهذا الغلام الطاهر الأردانقد فاق في المهد على الأقرانأعيذه بالبيت ذي الأركانمن شر كل حاسد وشانيوإن عمه العباس رضي الله عنه امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه فأشار إلى مولده ونوره الباهر فيه فقال: وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق.
سادسا: لقد أفتى العلماء قديما وحديثا بجواز الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم منها فتاوى الإمام ابن حجر والسيوطي وفتاوى الأزهر الشريف وفتاوى لجنة الإفتاء في دبي وفتاوى لجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وغيرها الكثير.
الرد على المنكرينأولا: من العادات الإسلامية الحسنة التي تخدم الدين وتزيد محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم حقا ليست سنة مؤكدة او منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما نقول ان الاحتفال بمولده امر مستحسن مباح فيه فوائد كثيرة وله شواهد عدة وهو داخل ضمن العادات الإسلامية الحسنة التي تحف وتحيط بالمفاهيم الإسلامية الأصلية فتؤيدها وتفندها وتخدمها.
ثانيا: ليس في الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تقليد لأحد بل هو اسلوب لإظهار الفرحة والسرور وتعظيم اليوم الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان غير المسلمين يفعلون ما هو قريب من هذا او مشابه له.
وحقا ان الاحتفال به في ربيع الاول لم يفعله رسول الله ولا احد من اصحابه ولكننا لا ينبغي ان نتخذ ذلك دليلا على المنع من الاحتفال والنهي عنه، وذلك لأن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم انما يدخل في باب العادات والسلوك لا في باب العقائد فالأصل فيه الإباحة، وما لم يرد نص شرعي ينهى عنه فلا مانع منه وعدم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له ليس دليل على النهي عنه، وإلا فكثير من الامور العادية والتي درج عليها المسلمون لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا احد من اصحابه وبالتالي فهل هي محرمة منهي عنها؟أما عن عدم ثبوت ولادته صلى الله عليه وسلم يوم الثاني عشر من ربيع الأول فلا يعني المنع من الاحتفال اصلا، بل نعلم جيدا ان اعتبار يوم 12 ربيع الاول يوم مولده وهو رأي الاكثر من العلماء وهو ما جرى عليه عمل الامة، وإن كانت هناك آراء اخرى في تحديد اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم فذلك كله بحث تاريخي موجود في بطون الكتب ومما يهون امر الخلاف في يوم مولده ان يترك مجال الاحتفال مفتوحا في كل ايام شهر ربيع الاول بل ايام العام كله.
ابن عثيمين: تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته
نرى انه لا يتم ايمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي ان يعظمه فيه، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم ولا ريب ان بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا اقول مولده بل بعثته لأنه لم يكن رسولا الا حين بعث كما قال اهل العلم: نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر، لا ريب ان بعثته صلى الله عليه وسلم خير للإنسانية عامة كما قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).
وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره التأدب معه واتخاذه إماما ومتبوعا والا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يدع لأمته خيرا إلا دلهم عليه وأمرهم به.
«الأوقاف»: يجوز.. شرط عدم وجود مخالفات شرعية
لا مانع شرعا من المشاركة في احياء مناسبة الهجرة النبوية والمولد النبوي والاسراء والمعراج وغيرها بإلقاء المحاضرات الخاصة بموضوعاتها، ولا مانع من تخصيص ايامها من كل عام، ولا يختلف المولد النبوي في هذا عن سائر المناسبات الأخرى، شريطة عدم الاعتقاد بسنية احيائها او التعبد بها، وإلا كانت من البدع المستحدثة وحينئذ لا تجوز، وإنما يجوز احياء هذه المناسبات لتذكير الناس بما فيها من احداث عظيمة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بشرط ان يكون الإحياء خاليا من المخالفات الشرعية والله اعلم.