في سورة طه تظهر عناية الله تعالى برسله وهو ولي المؤمنين وكلما تعلق الحكم بالصفة زادت صفة الإيمان وولاية الله به، فبعد ان بين الله عز وجل في آياته وزر من أعرض عن القرآن ومن لم يتبع آيات القرآن فصل الله بعض مشاهد يوم القيامة.
مشاهد عظيمة
(يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) وللصور نفختان، النفخة الأولى البوق يصعق من في الأرض ومن في السماء، والثانية نفخة الحشر كل الناس تحشر، الصالح والمجرم، ولكن الله هنا يحذرنا من المجرمين، يفصل الله لنا المشاهد الغريبة وكأنها واقع أمامنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصور «قرن ينفخ فيه» يوكل به ملك هو إسرافيل، والمشهد الثاني عظيم وهو (زرقا) من شدة ما هم فيه من الأهوال نجد المجرمين زرق العيون.
صفقة خاسرة
(يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا) من قصر عمر الدنيا ومما يلقون من أهوال (نحن أعلم بما يقولون) أي في حال تناجيهم بينهم، (إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) أي لقصر مدة الدنيا في أنفسهم يوم المعاد كأنها يوم واحد، وهذا من خسار حالهم باعوا الباقي بالفاني.
(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً) أي يذهبها عن أماكنها ويمحقها ويسيرها تسييرا. (فيذرها قاعا صفصفا) أي بساطا واحدا والقاع هو المستوي من الأرض والصفصف تأكيد لمعنى ذلك وقيل الذي لا نبات فيه. (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) لا ترى في الأرض يومئذ واديا ولا رابية ولا مكانا منخفضا ولا مرتفعا.
ومن عظم هذا اليوم القلوب خاشعة حتى ان الصوت لا يخرج ولا تسمع من الناس إلا الهمس (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا).
شرط حدوث الشفاعة
(يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا)، الشفاعة بيد الله تعالى يأذن بها لمن يشاء شرط التأهل لحدوث الشفاعة لمن رضي الله لهم قولا، والقول كما يقول ابن عباس قول التوحيد، قول لا إله إلا الله. فالكل في ذلك الموقف يقول نفسي نفسي حتى الأنبياء يشغلون بما يرون ولا يرون في أنفسهم أن يشفعوا للغير.
(وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) القيوم الذي لا ينام ولا قوام لشيء إلا به. خضعت وذلت واستسلمت الخلائق للحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، وهو قيم على كل شيء يدبره ويحفظه ولا قوامة إلا به.
التوحيد هو المنجي
(ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما)، شرطان هما الإيمان والعمل الصالح، أي تحقيق الإيمان في القلب ودعم الإيمان بالعمل الصالح الموافق لشرع الله، المتبع لأمره جل وعلا.
لما ذكر الظالمين ووعيدهم ثنّى بالمتقين وحكمهم وهو انهم لا يظلمون ولا يهضمون أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم و(الهضم) هو النقص، فالمؤمن لا يخــاف فـإن ما عملــه من الحسنــات لا ينقص من أجره شيئا.
أهمية العلم
(وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا) أنزله تعالى بلسان عربي مبين لا لبس فيه (وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون): أي يتركون المحارم والفواحش والمآثم (أو يحدث لهم ذكرا)، وهو إيجاد الطاعة وفعل القربات، (فتعالى الله الملك الحق) أي تنزه وتقدس.
أثنى الله على نفسه وهو أهل الثناء. (وقل رب زدني علما): ما أمر الله تعالى به نبيه إلا بهذه الدعوة ولبيان أهمية العلم وما أمر به محمد مأمورة به أمته من بعده.
بعد ان بين الله تعالى أهوال القيامة عرج إلى أنبيائه حتى يركن القلب، فآدم عليه السلام تغمده الله برحمته وقبل توبته.
(فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتشقى في طلب رزقك، فإنك هاهنا في عيش رغيد بلا جهد ولا مشقة (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) قرن بين الجوع والعري لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر.
الستر نعمة
المشهد لما أكلا من الشجرة سقط عنهما لباسهما، وما زال إبليس يدعو إلى العري فتعرت النساء وتعرى الرجال والجنة ليس فيها عري، فحين خالفا ربهما فقدا الستر. (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى). لكن رحمة الله لم تترك آدم في الغواية، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم.
دعاء عظيم
(ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)، اصطفاه ربه لعمل الرسالة وتاب عليه وثبته على ما يحب الله تعالى.
(قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
معيشة ضنكا
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) من خالف أمر الله لا تحصل له طمأنينة ولا يجد راحة وفي الآخرة، يضيق عليه قبره ويحشر يوم القيامة أعمى، (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) الجزاء من جنس العمل، لما أعرضت عن آيات الله وتناسيتها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك.
الدواء في الدنيا
(فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) يقول تعالى لنبيه مسليا له اصبر على تكذيبهم لك وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس يعني صلاة الفجر وقبل غروبها يعني صلاة العصر، (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لا تنظر إلى هؤلاء المترفين وأشباههم فإنما ما هم فيه زهرة زائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور.